إثبات وجود الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين. قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) [سورة الأنعام: 63-64].
الدليل الحسي على وجود الله: الفطرة في أعماق الإنسان
- تشير الآية إلى دليل فطري يدركه كل إنسان في أعماق قلبه، وهو اللجوء إلى قوة خفية عند الشدائد العظيمة.
هذه القوة ليست سوى الله سبحانه وتعالى.
حتى أشد المنكرين لوجود الله، عند الوقوع في مأزق لا مفر منه، يتوجهون لا شعوريًا بالدعاء إلى الله، على أمل النجاة. - هذا الشعور الفطري لا يمكن أن يكون وهمًا كما يدعي بعض الملحدين، بل هو دليل صادق على وجود الله. فكل حادث له محدث، وشعور الإنسان باللجوء إلى الله عند الخطر دليل على أن هذه القوة العظيمة هي الحقيقة المطلقة.
الدعاء: قوة المستغيث المضطر
- الدعاء المذكور في الآية هو دعاء المضطر الذي فقد كل وسيلة للنجاة إلا اللجوء إلى الله.
الدعاء في مثل هذه اللحظات يكشف ضعف الإنسان وحاجته إلى القوة الإلهية. - الدعاء ليس فقط لحظات الشدة، بل يجب أن يكون في الشدة والرخاء على حد سواء.
النبي (صلى الله عليه وآله) حثنا على التضرع بالدعاء في كل الأحوال، لأن الدعاء صلة العبد بربه.
آداب الدعاء: التضرع والخفاء
- الدعاء بخفية
الدعاء الخفي هو دعاء السر الذي يعبر عن إخلاص العبد لله.
يقول الله: (ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين) [الأعراف: 55].- الدعاء الخفي دليل على الإخلاص، حيث لا يسمعه إلا الله.
- يمنع الرياء، ويجنب الإنسان استعطاف الآخرين بدلًا من طلب الرحمة من الله.
- الثقة بالإجابة
الإنسان يجب أن يدعو ربه بقلب خاشع ويقين بأن الله يسمعه وسيستجيب له. - ترك التواكل
الدعاء لا يعني التخلي عن العمل بالأسباب، بل يجب على المؤمن أن يأخذ بالأسباب التي خلقها الله.
الإنسان بين الشدة والرخاء
- تشير الآية إلى طبيعة الإنسان في أوقات الشدة، حيث يلجأ إلى الله بصدق وإخلاص.
لكن ما إن تزول المحنة، يعود إلى كفره وشركه، متنكرًا للفضل الإلهي. - هذا النكران يعود إلى فساد الفطرة والطبيعة البشرية المتأثرة بالطمع والأنانية. يقول الله:
(وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه) [يونس: 12].
المال والطغيان: فتنة الإنسان الكبرى
- المال، إذا وقع في أيدٍ غير أمينة، يصبح سببًا للطغيان والفساد.
الثروة الطائلة تغيّر الإنسان وتدفعه إلى الجحود والتجبر، رغم أن نهايته الزوال. - خير الرزق ما يكفي:
الأفضل للإنسان أن يمتلك ما يكفي حاجته فقط.
يقول النبي (صلى الله عليه وآله): “اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا”.
هارون الرشيد والموعظة الضائعة
- يُذكر أن الخليفة العباسي هارون الرشيد، رغم امتلاكه الثروة الهائلة، لم يستطع إدراك قيمة الاعتدال في النعمة.
- الأصمعي ذكّره بأيام الشدة التي عاشها العرب، محذرًا من عاقبة الإسراف والجحود.
- لكن هارون تجاهل الموعظة، مجسدًا مثالًا حيًا على الجحود والطغيان.
خاتمة: رسالة الآية في إثبات وجود الله
- الآية الكريمة تقدم دليلًا حسيًا على وجود الله، من خلال فطرة الإنسان التي تلجأ إلى الله في أوقات الأزمات.
- تؤكد على أهمية التضرع بالدعاء بخفية وإخلاص، والاعتماد على الله مع العمل بالأسباب.
- تحذر من الطغيان الذي يسببه المال، وتدعو إلى التواضع والشكر في الرخاء قبل الشدة.
- هذه الرسائل الإيمانية تجعل من الدعاء وسيلة أساسية لإثبات الإيمان والتقرب من الله.
مواضيع مشابهة
تأملات قرآنية -4- كيف نصل إلى اليقين بالله؟