التنوع في الكون شاهد على الخالق – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
إنَّ المتأمل في الكون من حوله، حين يفتح عينيه كل صباح، يرى تنوعًا بديعًا في كل مظاهر الحياة، من السماء بما فيها من شمس وقمر ونجوم، إلى الأرض بما تحمله من جنات وبساتين وزروع ونخيل، كما وصفها القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ [الرعد: 4].
هذا التنوع الهائل في الخلق هو من أوضح الأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى، فهو تعالى خلق الأرض وما عليها من نباتات وحيوانات وكائنات لا تعد ولا تحصى، وجعل لكل منها وظيفة وهيئة وخصائص تميزها عن غيرها، لتشهد جميعها أن وراءها خالقًا عليمًا حكيمًا.
مكانة الأرض في الإسلام:
لقد أولى الإسلام الأرض أهمية عظيمة، فجعلها مصدرًا للرزق والمعاش، وميدانًا للعبرة والتفكر، حتى إنّ التشريعات الإسلامية راعت خصوصيتها، فجعلت للزوجة نصيبًا من إرث زوجها في كل شيء إلا الأرض، لما لها من خصوصية تُظهر عمق العلاقة بينها وبين الإنسان، فهي ليست مجرد تربة نطأها، بل هي جزء من وجودنا وركن من أركان حياتنا.
التنوع ردّ على الإلحاد والمادية:
إنَّ الملاحدة والماديين يزعمون أنّ الطبيعة هي الخالقة لهذا التنوع والإبداع، لكن هذا الادعاء باطل من أساسه؛ فكيف لعوامل صمّاء لا عقل لها ولا وعي أن تخلق هذا النظام المتقن والانسجام الدقيق بين الكائنات؟
ولو سلّموا بأن “الطبيعة” قادرة على التفكير والإبداع، فقد سمّوا الله بغير اسمه، إذ إن تلك الصفات (العقل، الحكمة، القدرة، العلم) لا يمكن أن تُنسب إلا للخالق الحق سبحانه وتعالى.
أما إصرارهم على أن الطبيعة الصماء خلقت كل هذا الجمال والنظام، فهو ضرب من التناقض والعبث العقلي.
ولنقرب الصورة بمثال: لو أعطيت قطعة من الحديد لشخص لا يعقل وطلبت منه أن يصنع منها جهازًا متطورًا، هل يعقل أن يُخرج لك حاسوبًا متكاملًا؟ أم أنّه سيعبث بها عبثًا أعمى؟! وهكذا القول في الطبيعة إن نُزعت عنها صفة العقل والتدبير.
الإبداع الإلهي في أدق تفاصيل الخلق
من دلائل قدرة الله أيضًا أن ترى شجرتين متجاورتين في نفس التربة، وتتعرضان لنفس الشمس والهواء والمطر، ومع ذلك تختلفان في اللون والطعم والشكل والثمار. هذه الحقيقة البسيطة التي يشاهدها كل إنسان في حياته اليومية كافية لتدلّه على أن الأمر ليس عشوائيًا، بل هو نتاج تدبير دقيق من خالق حكيم وصف نفسه بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾.
خاتمة: التنوع سبيل إلى الإيمان
إنَّ التنوع في الخلق هو مدرسة إيمانية مفتوحة لكل من أراد أن يبصر الحقيقة. فهو ليس مجرد مظاهر طبيعية، بل آيات شاهدة على وحدانية الله وقدرته المطلقة. وكلما تأمل الإنسان في هذا الكون ازداد يقينًا بأن وراء هذا الإبداع خالقًا لا يشبهه شيء، وأن هذا الجمال والنظام لا يمكن أن يكون نتاج الصدفة ولا فعل “طبيعة” بلا عقل.
ولهذا فإن التفكر في الكون والتنوع الذي يزخر به، هو من أعظم طرق الوصول إلى الإيمان، ودليل حيّ على قوله تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].