الحيل الشرعية – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يقول تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
هذه الآية الكريمة تكشف جانبًا من صبر نبي الله أيوب عليه السلام، ومن الموقف العظيم لزوجته التي وقفت إلى جانبه في أشد الابتلاءات. لكن بعض ضعاف النفوس حاولوا أن يستدلوا بها على ما يسمونه “الحيلة الشرعية”، فهل ما جاء في القصة دليل على جواز التحايل على أحكام الله؟
المرأة الصالحة في حياة نبي الله أيوب:
تمثل زوجة أيوب عليه السلام نموذجًا للمرأة الصالحة التي ظلت وفية لزوجها رغم الفقر المدقع والمرض الطويل الذي أصابه. ولشدة العوز اضطرت إلى قص شيء من شعرها لتبيعه بثمن يسير كي توفر طعامًا لها ولزوجها. وعندما علم أيوب عليه السلام بذلك غضب وأقسم أن يجلدها مائة جلدة.
معنى الآية الكريمة:
عندما أراد أيوب تنفيذ قسمه، أوحى الله إليه أن يأخذ حزمة صغيرة من القضبان (الضغث) ويضربها بها ضربة واحدة، وبذلك يبر بقسمه دون أن يؤذيها. فكان هذا التوجيه رحمة من الله تعالى وتخفيفًا لحكمه، لا من باب الحيلة أو الاحتيال، بل من باب التشريع المباشر من الخالق سبحانه، الذي بيده وضع الحدود وتقديرها.
الفرق بين التشريع الإلهي والحيلة الشرعية المبتدعة:
بعض المغرضين حاولوا توظيف هذه القصة لتبرير ما يسمى بـ “الحيلة الشرعية”، وهي طرق ملتوية يبتدعها البعض للتحايل على الأحكام الشرعية، مثل:
التهرب من دفع الزكاة بإعطاء الأموال كهدية مؤقتة ثم استردادها بعد انتهاء الحول.
التحايل على أحكام الطلاق والخلع بأساليب باطلة، كادعاء الردة ثم الرجوع للإسلام.
لكن الحقيقة أن الفرق جوهري:
ما جرى مع أيوب عليه السلام أمر تشريعي من الله تعالى نفسه.
أما الحيل الشرعية التي يبتدعها البشر فهي محاولة مكشوفة للالتفاف على حدود الله، والله تعالى لا يُخدع ولا يُحتال عليه.
خطورة الحيلة الشرعية:
التحايل على الأحكام الشرعية لا يغير من الحقيقة شيئًا؛ فمن يتهرب من الزكاة أو يلتف على الحدود الشرعية لا يخدع إلا نفسه، أما الله عز وجل فهو العليم بما في الصدور. وقد قال تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، أي أن مآل الحيلة يعود وبالًا على صاحبها، فيخسر الدنيا والآخرة معًا.
خاتمة:
قصة أيوب عليه السلام تبرز قيمة الصبر والوفاء والرحمة، ولا علاقة لها بما يسمى بالحيلة الشرعية. فما شرعه الله من رخصة هو تشريع رحيم يحقق العدالة الإلهية، أما التحايل على أحكام الدين فهو مرفوض جملة وتفصيلًا. فمن ظن أنه قادر على الاحتيال على خالق السماوات والأرض، فقد جهل عظمة الله، وغفل عن قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).