ثمرات التقوى وجزاء المتقين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
التقوى لغةً تعني الوقاية، وفي اصطلاح الدين هي الامتناع عن الفعل المضر والابتعاد عن ما نهى الله تعالى عنه. فهي ليست مجرد شعور داخلي، بل فعل نفسي وعمل فعلي يظهر في سلوك الإنسان اليومي. يثير هذا سؤالاً مهمًا: كيف يؤجر الإنسان على ترك المعاصي بينما الجزاء عادةً يكون على الأعمال الطيبة؟
الجواب أن الترك نفسه فعل، وإن كان معلًا نفسيًا، فهو يمثل قوة إرادة وعملًا طيبًا. فالإنسان إذا أُتيحت له شهوة محرمة أو فرصة لفعل ما نهى الله عنه، فإن اجتنابه عنها يمثل طاعة وامتثالًا لله، ويعد سببًا مباشرًا للأجر والثواب. فالمتقي يفضل طاعة الله على إشباع رغبات نفسه، ويستحضر ذكر الله في كل أموره، كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾.
أمير المؤمنين عليه السلام نموذج للتقوى:
أكبر مثال حي للتقوى هو علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي وصفه الله ورسوله بأنه سيد المتقين. فقد كان في أعلى درجات الذكر والطاعة، حيث يُروى عنه قوله:
“واللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ”
وهذا المثال يوضح أن التقوى تعني السيطرة على النفس والبعد عن كل ما يغضب الله، مهما صغر أو كبر.
جزاء المتقين في الدنيا والآخرة:
الله تعالى قد يوفّر للمتقين بعض جزاء التقوى في الدنيا، لكنه الجزاء الأكبر والأوفى في الآخرة، كما وعدهم في القرآن الكريم:
﴿فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾
الجنة وُصفت بـ”المقام الأمين” لأنها المكان الوحيد الذي ينعم فيه المؤمن بالأمان الكامل، بعيدًا عن كل أنواع القلق أو الخوف التي يعانيها الإنسان في دنياه، سواء في أوطانه أو رزقه أو مسكنه.
أما النعم الجمالية في الجنة، كالأنهار والأشجار والحور والقصور، فهي ليست مجرد ترف، بل تتوافق مع رغبات النفس البشرية وتشبع شغفها بالنعيم. وهذا ما يرد على الشبهات التي يطرحها أعداء الإسلام، بأن هذه النعم وُعد بها النبي صلى الله عليه وآله لأصحابه فقط بسبب طبيعة بيئتهم الصحراوية، فالواقع أن الخطاب القرآني عالمي، والنعم مألوفة ومشتاقة لكل إنسان متقي، لأنها التعبير الطبيعي عن الكمال والنعيم المستحق في الآخرة.
خلاصة المقال:
التقوى هي الوقاية عن المعاصي وترك الفعل المضر طاعة لله، وهي عمل صادق يظهر في سلوك الفرد اليومي، ويعد سببًا للأجر والثواب. المتقون هم الذين يفضلون طاعة الله على شهواتهم، ويذكرون الله في كل حين، وأعظم مثال حي للتقوى هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. جزاء التقوى أعظم ما يكون في الآخرة، حيث ينعم المتقون بالمقام الأمين والجنات والعيون، وملابس السندس والاستبرق، وكلها نعم تلبي شغف النفس البشرية وتؤكد عظمة وعد الله للمؤمنين المخلصين.