قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

جزاء المتقين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

 

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ۚ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: 63-64].

هذه الآية المباركة تضع قاعدة إيمانية عميقة، وهي أن الفوز الحقيقي إنما يتحقق باقتران الإيمان بـ التقوى والعمل الصالح، وأن من جمع بين هذه المقامات فقد ضمن له الله تعالى البشرى في الدنيا والآخرة، وهي البشرى التي لا يزول أثرها ولا يبدّل وعدها، لأنها كلمة الله التي لا تتبدل.

 

الإيمان والعمل: ركيزتان لا تنفصلان:

يربط القرآن الكريم دائمًا بين الإيمان والعمل الصالح، إذ لا قيمة لإيمان لا تجسده الأعمال، كما أن العمل بلا إيمان يبقى ناقص الأثر في الآخرة. فكم من علماء ومفكرين أغنوا البشرية باكتشافاتهم العظيمة، لكنهم لم يؤمنوا بالله تعالى، فكان جزاؤهم في الدنيا فقط، أما في الآخرة فليس لهم نصيب.

وفي المقابل، فإن العمل الصالح حتى وإن لم يقترن بالإيمان قد يكون وسيلة لفتح أبواب الهداية، فهو يجذب صاحبه نحو الخير والإيمان، إذ العمل الصالح غذاء للروح كما أن الإيمان غذاء للقلب، وكلاهما يكمل الآخر.

 

البشرى في الدنيا: رؤى، رضا، ويقين:

تعددت التفاسير حول معنى البشرى في الحياة الدنيا، وأبرزها:

الرؤيا الصالحة: فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له». ومن أعظم المبشرات أن يرى المؤمن في المنام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ قال: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي».

رضا الناس وحسن الذكر: البشرى قد تكون في محبة الناس ورضاهم عن المؤمن بسبب صلاحه وتواضعه وخدمته للخلق. فالإنسان ما سُمّي إنسانًا إلا لأنه يأنس ويؤنس، ومن أجمل آثار العمل الصالح أن يترك الإنسان أثرًا طيبًا وذكرًا حسنًا بعد رحيله.

اليقين بالجنة قبل الموت: بعض التفاسير تشير إلى أن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى يبشَّر برضوان الله ويرى موضعه في الجنة، فيغادر الدنيا وهو مطمئن القلب راضٍ عن عمله.

 

البشرى في الآخرة: النعيم والرضوان:

أما في الآخرة، فجزاء الذين آمنوا وكانوا يتقون هو الجنة، بما فيها من نعيم حسي كالقصور والأنهار والحور العين، ونعيم معنوي أعظم هو رضوان الله، كما قال تعالى:

﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72].

فالنعيم المادي في الجنة يبعث على السعادة والراحة، أما الرضوان الإلهي فهو كمال النعيم، لأنه يمنح المؤمن يقينًا بأن الله قد قبله ورضي عنه، وذلك هو الفوز الذي لا يدانيه فوز.

 

لا تبديل لكلمات الله:

الآية الكريمة تختم ببيان مهم: «لا تبديل لكلمات الله»، أي أن هذا الوعد حق ثابت لا يتغير ولا يُمحى. فالمتقون موعودون بالبشرى والرضوان، كما أن الكافرين موعودون بالعذاب، وسنة الله لا تتبدل.

 

الخلاصة:

إن القرآن الكريم يرسم في هذه الآية معالم طريق النجاة والفوز العظيم: الإيمان، التقوى، والعمل الصالح. فمن جمع بينها، نال البشرى في الدنيا من خلال الطمأنينة والرؤيا الصالحة ورضا الناس، ونال البشرى في الآخرة بدخول الجنة والخلود في رضوان الله تعالى. تلك هي البشرى التي لا تزول ولا تتبدل، وهي وعد الله الحق الذي لا رادّ له.

مواضيع مشابهة

مناهل معارفية – 5 – أسباب رفعة العمل الصالح

معالم المتقين