قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

دار السلام: الجنة وطمأنينة الخلود – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 127].

في هذه الآية المباركة عبّر الله تعالى عن الجنة بأنها دار السلام، وهو وصف يحمل دلالات عظيمة تشير إلى كمال الطمأنينة والأمن الروحي، حيث لا تعب ولا همّ ولا كدر، بخلاف الدنيا التي امتلأت بالآفات والأحزان.

 

معنى الدار في القرآن الكريم:

كلمة الدار في اللغة تحمل معنيين:

الأول: المنزل أو البيت الذي يأوي إليه الإنسان.

الثاني: المنطقة أو البيئة التي يعيش فيها الفرد.

وبناءً على ذلك، جاءت تسمية الجنة بـ دار السلام تمييزًا لها عن دار الدنيا. فالجنة ليست مجرد منزل، بل هي عالم آخر قائم على الطمأنينة الدائمة، والخلود الذي لا يزول.

 

لماذا سميت الجنة دار السلام؟

سميت الجنة بـ دار السلام لعدة أسباب، منها:

خلوها من الكدر والآفات: فالحياة فيها حياة طمأنينة مطلقة، لا جوع، لا فقر، لا مرض، ولا موت. أما الدنيا فكل لذائذها في حقيقتها ليست إلا وسائل لتخفيف ألم أو نقص. فالطعام مثلًا ليس لذة خالصة، بل دواء للجوع، والمال ليس غاية بحد ذاته، بل علاج لفقر وحاجة.

الخلود والاستقرار: بخلاف الدور في الدنيا التي قد تُنتزع من أصحابها إما بحكم جائر أو بالموت، فإن دار السلام لا تُنتزع ولا تزول. فهي خلود أبدي، لا انتقال بعدها ولا تبديل.

السلام النفسي والذهني: في الجنة يعيش المؤمن في حالة أمن تام، فلا خوف من غدر ولا قلق من مستقبل. كل ما فيها رضا وطمأنينة، لأنها دار تحت ولاية الله تعالى ورعايته المباشرة.

 

الدنيا: دار البلاء والتقلبات:

في المقابل، وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) الدنيا بأنها:

(دار بالبلاء محفوفة، وبالغدر معروفة، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها، العيش فيها مذموم والأمان منها معدوم…).

فالدنيا وإن زخرفت بزينة ولذائذ، إلا أنها مليئة بالهموم والتقلبات. فلا أمن فيها دائم، ولا سعادة خالصة، ولا راحة مطلقة، مما يزيد قيمة دار السلام ويجعلها المقصد الأعلى للمؤمن.

 

مقام “عند ربهم”:

من أعظم النعم في الجنة أن تكون “عند ربهم”. فهذا المقام يعني الحضور في رحاب القرب الإلهي. ومَن كان في حضرة الله فلا خوف عليه ولا حزن. فالقرب من الله يرفع عن النفس كل أثر للآلام والهموم، ويمنحها نورًا ورضوانًا يفوق كل لذائذ حسية.

 

حديث قدسي عن أهل دار السلام:

ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى قال عن عباده المخلصين:

(إن لي عبادًا يحبوني وأحبهم… فإذا جنّ الليل وافترشوا وجوههم وناجوني بكلامي… أول ما أعطيهم ثلاثًا: أقذف من نوري في قلوبهم… ولو كانت السماوات والأرض وما فيها في موازينهم لاستقللتها لهم… وأقبل بوجهي عليهم…).

هذا النص يكشف أن أهل دار السلام لم ينالوها جزافًا، بل بعمل دؤوب في الدنيا، وبإخلاص العبادة، حتى استحقوا أن يكون الله وليهم وناصرهم، في الدنيا والآخرة.

 

الخلاصة

دار السلام ليست مجرد مكان للراحة، بل هي وعد الله الحق للمؤمنين، حيث الأمن المطلق، القرب الإلهي، والنعيم الأبدي. إنها دار الطهر من كل كدر، والخلود بلا فناء، والسلام الذي لا يعكره حزن ولا يقطعه انقطاع. ومن أرادها، فطريقها هو الإيمان والعمل الصالح، إذ قال تعالى: ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

 

مواضيع مشابهة

المنبر العميد -118- أصحاب الجنة وأصحاب النار

أحاديث في الجنّة ونعيمها