قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

عِلّة العذاب الإلهي – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).

إنّ الإيمان بقدرة الله المطلقة لا يعني أن كل ما يقدر عليه سبحانه يفعله بالفعل، فالله تعالى منزه عن الظلم رغم أنه قادر على كل شيء. وهنا يظهر الخلاف بين المدارس الكلامية؛ إذ رأى الأشاعرة أنّ القبيح لا يكون قبيحًا إلا إذا حكم الشرع بذلك، وبالتالي لا مانع لديهم من نسبة الظلم إلى الله. بينما قالت العدلية، ومنهم الإمامية، إنّ العقل السليم يدرك حسن العدل وقبح الظلم حتى بغير شريعة، ومن ثمّ يستحيل على الله تعالى أن يظلم أحدًا. فالعدل حسن لذاته، والظلم قبيح لذاته، والله تعالى منزه عن كل قبيح.

 

صور العذاب الإلهي:

تعددت تفسيرات المفسرين في بيان معنى العذاب الوارد في هذه الآية:

العذاب من فوق: قيل هو حبس المطر، إذ يشكّل الماء أصل الحياة. فجعل الله البحار مخازن عظيمة للمياه مع خاصية الملوحة التي تحفظها من الفساد، ثم جعل الشمس وسيلة للتبخير، فالغيوم، فالمطر. فإذا مُنع المطر كان عذابًا قاسيًا. كما فُسّر أحيانًا بنزول الحجارة من السماء كما جرى مع أصحاب الفيل.

العذاب من تحت الأرجل: فُسّر بحبس النبات ومنع الأرض من إنبات الخير، أو بالزلازل والخسف كما وقع لقوم لوط وغيرهم من الأمم المكذبة.

العذاب البشري: ومن صور العذاب أن يُبتلى الناس بتسلط الحكام الظالمين أو بالغوغاء الفاسدين الذين لا دين ولا وعي لهم. فيكون البلاء من فوقهم عبر الحكّام المستبدين، ومن تحتهم عبر الرعاع المفسدين. وهذا اللون من العقوبة الإلهية يجعل الحياة لا تُطاق ويجعل البلاد خرابًا.

الاقتتال الداخلي: وهو ما دلّت عليه الآية بقولها: “ويذيق بعضكم بأس بعض”، أي أن ينشغل الناس بالفتن الداخلية والاقتتال، فتعمّ البلوى.

 

حكمة العذاب الإلهي

العذاب الإلهي ليس انتقامًا ولا تشفيًا، بل هو عدل ورحمة في آن واحد. فقد ينزل العذاب ردعًا للعصاة، أو تطهيرًا للمذنبين، أو استئصالًا لشر الظالمين كي ترتاح المجتمعات من طغيانهم. وأحيانًا يكون نزول العذاب على قوم سببًا لرحمة آخرين، فيتوب بعضهم أو يزداد إيمانهم ويعتبرون بغيرهم.

 

في الختام:

إنّ علة العذاب الإلهي ترجع في حقيقتها إلى رحمة الله بالخلق؛ فهو يبتليهم بالعقوبات الدنيوية لعلّهم يرجعون عن غيّهم قبل أن يواجهوا العذاب الأكبر في الآخرة. فالابتلاءات الأرضية ما هي إلا إنذارات إلهية توقظ الغافلين، وتُقيم الحجة على المعاندين، وتُطهّر المؤمنين المذنبين.