الليل والنهار – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)
يقول المفسرون في تفسير هذه الآية المباركة أن الجعل المذكور في الآية يقصد به الجعل التكويني، وهناك من ذهب إلى أن المقصود هو الجعل التشريعي.
أما من قال بالجعل التكويني فتدخل الآية في علم العقائد، فالله جعل الليل والنهار خلفة أي يخلف أحدهما الآخر، وإن الليل والنهار يحدثان نتيجة دوران الأرض حول نفسها، والله خلق الأرض على هذه الهيئة.
ومن الحكم وراء خلق الليل والنهار وتتابعهما التنويع في الخلق، فالله سبحانه نوع لنا كل شيء في الوجود كي يوفر لنا أكبر قدر من السعادة ولا يجعلنا نشعر بالملل، فلو نظرت إلى الوجود لرأيت الفواكه المتنوعة والمياه المتنوعة والمناطق والتضاريس المتنوعة والحيوانات وما إلى ذلك.
ومن جملة ما نوعه الله لنا هو الأوقات، فجعل الليل والنهار، بل كل وقت من اليوم له صورته وصفاته الخاصة به، من الفجر إلى طلوع الشمس إلى أول النهار إلى وقت الزوال إلى بعد الظهيرة إلى الغروب والغسق والشفق ومنتصف الليل، ولكل لونه وطعمه الخاص به.
والله تعالى أبدع لنا كل ذلك، فهو الخالق المبدع الذي خلق كل ذلك التنوع، وحري بنا أن نعرفه حق معرفته ونشكره حق شكره على تلك النعم.
ومن الحكم الأخرى من خلق الليل والنهار تنوع الحيوانات التي خلقها الله، فتجد بعضا منها تنشط نهارا وأخرى تنشط ليلا تطلب رزقها، فالنمل مثلا ينشط في الليل لتخزين الحبوب وتعريضها للهواء ليلا كي لا تفسد وتتلف.
والله خلق الليل والنهار لنا كل لهدف، فجعل الله الليل لباسا لنا لنسكن فيه ونريح أبداننا من التعب والإرهاق الذي عانينا منه طوال النهار، فنعطي أجسامنا قسطا من الراحة في دجى الليل المظلم.
وهناك من ينتهز الليل ويجعله فرصة له للخلوة مع ربه وخالقه يناجيه ويتعبده ويدعوه، وهناك على النقيض من ذلك من ينتهز فرصة الليل ليغرق في الشهوات والسكر والعربدة والفجور، وقد قارن الشاعر أبو فراس الحمداني في قصيدته المعروفة بين بيوت آل محمد عليهم السلام التي كانت بيوت عبادة يشع منها النور والضياء، وبيوت بني العباس التي كانت تعج بالفسق والفجور واللهو.
ويعتبر تعاقب الليل والنهار من الآيات التي ينبغي للإنسان أن يعتبر منها ويعرف بأن الدنيا تدور وكل شيء فان إلا وجه الله، فلا يغتر الإنسان بلحظات من النشوة والمتعة في مقابل ترك مبادئه وثوابته، فكلنا ذاهب إلى نفس المصير ذات يوم وعلى كل منا أن يقدم لنفسه أعمالا صالحة تنجيه يوم الفزع الأكبر.
والليل والنهار هو الأساس في تقسيم الوقت إلى يوم وشهر وسنة وعقد وقرن وحقب وعهود وما إلى ذلك.
ولا يمكن للحياة أن تستقيم الحياة على الأرض فيما لو كانت نهارا مستمرا أو ليلا دائما، فلو كانت ليلا دائما لتحولت الأرض إلى جليد ولما استطاع أحد العيش عليها.
وفي المقابل لو استمر النهار بشكل دائم لاحترقت الأرض في غضون أيام وتحولت إلى رماد.
وقد أمرنا الله باستخدام عقلنا لنميز من خلال خلق الليل والنهار وآثارهما ونستدل من خلالهما على وجود خالق مبدع الصنع جعلهما لنا لنحيا حياة سعيدة، ولكل أثر في الوجود مؤثر، وقد استدل الأعرابي البدوي البسيط ساكن الصحراء على وجود الخالق القيوم على بساطته قائلا: أثر الأقدام يدل على المسير والبعرة على البعير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير؟!
ومن الواجب علينا شكر المنعم علينا بهذه النعم الكثيرة كل يوم، وهذا ما تختتم به الآية.
أما بناء على من قال بأن الجعل تشريعي فهو يبني عليه أحكاما فقهية. وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله إن المقصود بها أنك تستطيع قضاء صلاة الليل في النهار وصلاة النهار في الليل، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، عدا بعضهم الذين قالوا بأنه يتوجب على المصلي أن يقضي صلاته الفائتة في وقت من الأوقات في ذات الوقت، فلا يحق له قضاء صلاة النهار ليلا ولا العكس، لكنه رأي نادر.
وينبغي للمصلي أن يبادر إلى قضاء الصلاة بمجرد تذكره لفواتها، فما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت.