قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يقول تعالى في كتابه الكريم: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ).

الغيب هو كل ما غاب عن إدراك الحواسّ، وكل ما لا تدركه عيون البشر ولا تسمعه آذانهم ولا تمسّه أيديهم. أمّا الشهادة فهي ما يقع تحت الحواس فيدركه الإنسان في عالمه المادي.

لكن الإنسان محدودٌ بزمانٍ ومكان، لا يرى إلا ما يحيط به، ولا يعلم ما سيكون في المستقبل أو ما يجري الآن في موضعٍ بعيد عنه. إنّ حدود الإدراك البشري هي التي تجعل الغيب مستورًا عن الإنسان.

 

الله سبحانه فوق الزمان والمكان:

الله تعالى منزّه عن الجسمية، فلا يحدّه زمان ولا مكان، لأنه خالق الزمان والمكان ذاتهما. ومن كان خارجًا عن هذه القيود فإنّ الغيب عنده شهادة حاضرة، والمستور عنده مكشوف ومعلوم.

لذلك فإنّ علم الله سبحانه لا يحدّه حدّ، فهو يعلم ما كان وما يكون وما سيكون، وما هو كائن الآن في كل زاوية من زوايا الوجود.

 

محدودية علم الإنسان أمام علم الله:

رغم التطور الهائل في العلوم الحديثة، لا يزال الإنسان عاجزًا أمام سعة الخلق الإلهي. فقد اكتشف العلماء مجرّات تبعد عن الأرض أكثر من خمسةٍ وعشرين ألف سنةٍ ضوئية، ومع ذلك لم يعرفوا نهاية الكون.

إنّ عجز الإنسان أمام هذا الاتساع العظيم يُذكّرنا بأنّ علم الله محيط بكل شيء، وأنّ الغيب كلّه عنده علم حاضر، كما قال تعالى:

(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ).

 

أثر الإيمان بعالم الغيب على السلوك والأخلاق:

إنّ الإيمان بأنّ الله عالم الغيب والشهادة يترك أثرًا عميقًا في سلوك المؤمن وأخلاقه.

فمن يعلم أن الله تعالى يراه في كل لحظة، ويطّلع على سريرته كما يطّلع على علانيته، يستحيي أن يعصيه أو يظلم أحدًا من خلقه.

لكنّ العلم النظري وحده لا يكفي، لأنّ المعرفة الحقيقية بالله هي التي تتحوّل إلى شعورٍ حيٍّ بالمراقبة الإلهية، فيعيش المؤمن كأنه يرى الله في كل شيء، كما ورد في الحديث الشريف:

“اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”

 

المراقبة الإلهية عند أهل البيت (ع):

لقد تجسّد معنى المراقبة الإلهية في حياة أهل البيت عليهم السلام، إذ كانت عصمتهم نابعة من علمهم الكامل بالله، ومن حضور الشعور الإلهي الدائم في وجدانهم.

كانوا يرون الله قبل كل شيء ومع كل شيء وبعد كل شيء، فلا تغيب عنهم عظمته لحظة واحدة، ومن هنا كانت عبادتهم ملؤها الخشوع واليقين.

 

وقد ورد في الروايات:

“من أراد أن يعصي الله، فليخرج من ملكه، ولا يأكل من رزقه، ولينظر موضعًا لا يراه الله فيه”

وهل يجد الإنسان موضعًا لا يراه الله فيه؟

هذا الاستحضار هو سرّ التقوى والخشوع، وهو ما يجعل القلب يقظًا، والضمير حيًّا، والسلوك مستقيمًا.

 

الخلاصة: حضور الله في القلب سرّ الخشوع

الإيمان بأن الله عالم الغيب والشهادة ليس مجرد معرفة فكرية، بل هو طريقٌ إلى صفاء القلب وخشوع النفس.

حين يدرك الإنسان أن الله مطّلع عليه في كل حال، تتحول عباداته إلى مناجاةٍ حقيقية، وتصبح صلاته صلةً روحية عميقة، ويغدو في كل حركاته وسكناته مراقبًا لله تعالى.

 

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 297- لو كنت أعلم الغيب

سورة الجن