هو القاهر فوق عباده – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ). سورة الأنعام، آية 61
معنى صفة القهر الإلهي في القرآن الكريم:
صفة القهر من الصفات الإلهية العظيمة التي تكررت في القرآن الكريم، وهي صفة اختصاصية لله تعالى لا يشاركه فيها أحد من خلقه، إذ لا قاهر بحق إلا هو، كما قال سبحانه: (اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
ومعنى القهر هنا ليس كما يتوهم البعض بأنه إجبار العباد على أفعالهم، بل هو تسلط القدرة الإلهية على الوجود بأسره، بحيث لا يخرج شيء عن سلطان الله، دون أن يُسلب العبد إرادته واختياره.
الفرق بين القهر والاختيار:
الإنسان في أفعاله مخير لا مسيّر، والله تعالى يقول:(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ).
فلو كان الإنسان مجبوراً على أفعاله لما صحّ أن يأمره الله بالخير وينهاه عن الشر، لأن الأمر والنهي لا معنى لهما في حال الإكراه.
إذن فالقهر الإلهي لا يعني الإجبار، بل يعني أن الله مالك الوجود كله، وهو الذي يجري الأمور وفق حكمته وعدله، بينما يبقى للإنسان مجال الحرية والاختيار في دائرة التكليف.
مواضع القهر التي لا يملكها الإنسان:
هنالك مجالات قهرية خالصة لا سلطة للإنسان عليها، منها:
الولادة والموت: لا يختار الإنسان متى يولد ولا متى يموت.
الصفات الجبلّية: لون البشرة، الملامح، الذكاء، والقدرات الفطرية.
القوانين الكونية: كالجاذبية، المرض، الشيخوخة، ونواميس الطبيعة التي تخضع جميعها لإرادة الله تعالى.
هذه الأمور هي التي يقال فيها: “الله هو القاهر فوق عباده”، أي أنه المتصرف في شؤونهم بما لا يملكون تغييره.
الرد على شبهة المجبرة:
ذهب بعض الفرق –كالمجبرة– إلى أن الإنسان مقهور في كل أفعاله، مستدلين بهذه الآية، لكن هذا التأويل باطل لأن الله لا يأمر بما لا يُطاق، والأنبياء عليهم السلام جاؤوا للتكليف والاختيار، لا لتبرير الجبر، والعقل السليم يحكم بأن الثواب والعقاب لا معنى لهما إن كان الفعل خارج إرادة الإنسان.
قال الإمام علي عليه السلام: “لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًّا.”
فالقهر الإلهي هو قهر رحمة وحكمة، لا قهر تسلّط وجبر، بل هو إظهار كمال سلطان الله على خلقه دون نفي حرية الإنسان ومسؤوليته.
خلاصة المقال:
القهر الإلهي يعني شمول سلطان الله على الوجود بأسره.
الإنسان حر الإرادة في مجال التكليف والاختيار.
القهر الإلهي يظهر في الأمور الخارجة عن قدرة البشر كالولادة والموت.
الإيمان بهذه الصفة يعزز الخشوع والخضوع لله، إذ يدرك المؤمن أنه بين يدي قاهرٍ حكيمٍ لا يظلم أحداً.