وتمت كلمت ربك – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
بعض المذاهب الإسلامية عندما وقفوا على الأحكام المذكورة في القرآن ظنوا أنها لا تغطي كل حاجات المجتمع إلى القوانين التي تنظم حياتهم، فلجأوا إلى مصادر تشريع أخرى حتى يغطوا تلك الحاجة، ومن تلك المصادر: القياس الفقهي والاستحسان.
فالقياس الفقهي عندهم مفاده أنه إذا أشكل حكم شيء عليهم ولم يجدوا له حكماً في الكتاب والسنة بحثوا عن شيء آخر مذكور حكمه إذا كان فيه اشتراك مع ما أشكل عليهم، وهذا القياس لا يعطي حكماً واقعياً إلا إذا كان الأمر المشترك منصوص على علة حكمه، على سبيل المثال: من الممكن أن نحكم على المواد الكيماوية المخدرة أو المسكرة بالحرمة بناءً على حرمة الخمر لأن العلة المشتركة وهي الإسكار منصوص على حرمتها.
فهذه الآية نزلت لترد على كل من سيدعي أن القرآن لا يغطي حاجات المجتمع والأحكام فيه لا يمكن الاعتماد عليها في أغلب ما هو مستحدث، لتقول الآية أن أحكام القرآن قد تمت ولا نقصان فيها وأن أحكامها غير قابلة للتغير ولا للتبدل على مدى الأيام، بل هي قابلة للتطبيق في كل مكان وزمان.
نعم إن بعض آيات القرآن نحتاج حتى نفهم المراد منها إلى توضيح وتفسير، وهذا التفسير حتى نأخذه صحيحاً فلا بد لنا من منبع صافي ناخذ منه، فلذلك أنزل الله تعالى كتابه الكريم مع نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله ليوضح لنا أحكامه، وأمرنا النبي صلى الله عليه وآله أن نتبع أهل بيته عليهم السلام من بعده لأنهم هم من يحمل علومه التي نبأه الله تعالى بها وهم الأقدر من غيرهم على حمل هذه الأمانة الإلهية.
فسنة النبي الأكرم وتصرفاته تصدر إما بعنوان التبليغ بصفه رسول لله تعالى، ومرة بعنوان المنصب لأنه القائد لكل المسلمين، ومرة بعنوان فك الخصومة لأنه هو القاضي والحكم بينهم، وجميع تصرفاته تلك هي مرجعها إلى الله لأنه تعالى هو القائل: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى).