قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

والتين والزيتون – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

أقسم الله تعالى في مطلع سورة التين بعدة رموز عظيمة قائلاً: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ).

إنّ القسم في القرآن الكريم ليس لمجرد التأكيد، بل لتوجيه أنظار الإنسان إلى عظمة ما يُقسم الله به، ليتفكّر في الحكمة الإلهية وراء ذكر تلك المخلوقات أو الأماكن المقدسة.

فالخالق سبحانه لا يُقسم إلا بعظيم، ليوقظ في القلب شعور التأمل والاعتبار.

 

معنى التين والزيتون في القرآن الكريم

الرأي الأول: الفاكهتان المباركتان:

ذهب كثير من المفسّرين إلى أن المقصود بالتين والزيتون هما الفاكهتان المعروفتان، لما لهما من فوائد غذائية وطبية عظيمة.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله قوله:

“لو قلت: فاكهة نزلت من الجنة، لقلت هذه، لأنها فاكهة بلا عجم، تقطع البواسير وتنفع من النقرس”.

وهذا يُظهر ما في خلق الله من رحمة، حيث جمع في هذه الثمار البركة والغذاء والشفاء.

الرأي الثاني: الرمزية الجغرافية:

وروي عن ابن عباس أيضًا أن التين يرمز إلى جبل الجودي الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام، وسُمِّي بذلك لكثرة أشجار التين فيه.

أما الزيتون، فيُقصد به بيت المقدس، حيث تكثر أشجار الزيتون وتفوح رائحة الطهر من أرضه المباركة.

 

طور سينين في ضوء الروايات:

جاء في تفسير أهل البيت عليهم السلام أن طور سينين هو النجف الأشرف، فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام:

(كان في وصية أمير المؤمنين عليه السلام أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني، وهو أول طور سيناء).

فارتبط ذكر الطور في القرآن بمواضع النبوة والقداسة، كجبل موسى عليه السلام، ومثله النجف الذي ضمّ جسد أمير المؤمنين عليه السلام.

 

البلد الأمين وحرمة مكة المكرمة:

المقصود بـ البلد الأمين هو مكة المكرمة، التي جعل الله حرمتها أبدية، فلا يُسفك فيها دم، ولا يُصاد صيدها، ولا يُقطع شجرها.

لكن التاريخ شهد تعديات خطيرة على هذه الحرمة، خاصة في عهد بني أمية، حين رمى جيش يزيد مكة بالمنجنيق وأحرق الكعبة وقتل المصلين في الحرم.

ومن هنا نفهم سبب مغادرة الإمام الحسين عليه السلام مكة يوم التروية، إذ خشي أن يُستباح بيت الله الحرام بدمه الطاهر، فتحوّلت حجّته إلى عمرة، ليخرج من البلد الأمين دون أن تُنتهك حرمته فيه.

 

الدروس والعِبر من سورة التين والزيتون:

عظمة الخلق الإلهي في أصغر مخلوقاته كالتمر والتين والزيتون.

قدسية الأرض التي احتضنت أنبياء الله وأولياءه، من الجودي إلى الطور إلى مكة.

دعوة للتأمل والتزكية، فالقسم الإلهي يذكّر الإنسان بأصل خلقه وكرامته:

“لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”.

تجسيد وحدة الرسالات، فكل موضع من هذه المواضع شهد مرحلة من مراحل الوحي الإلهي.

 

وفي الختام:

سورة التين ليست مجرد قسم رمزي، بل هي لوحة كونية تجمع بين نعمة الطبيعة، وقدسية المكان، وكرامة الإنسان.

فمن يتأملها بإخلاص، يدرك أن الله سبحانه أراد أن يربط بين غذاء الجسد والتزكية الروحية، بين الأرض المباركة والبلد الأمين، ليكون الإيمان جامعًا بين الروح والطبيعة والتاريخ.

 

مواضيع مشابهة

حج الأبرار – 31 مقام مكة المكرمة عند الله تعالى

أحاديث في فضل مكّة وأسمائها وعللها