ثمرات كفالة اليتيم – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)
إن المتدبر بقراءة هذه الآية، يلاحظ أن الله ذكر أولاً حق اليتيم على العباد، ثم حق السائل عليهم، ثم ذكر سبحانه وتعالى حقه على العباد بذكر نعمته وشكرها، فقد قدم عز وجل حق العباد على حقه.
وإن أغلب المفسرين لم يغفلوا عن هذه النقطة، بل ذكروا لها عدة تفاسير ومنها: أن العباد فقراء المطلق، وخاصة اليتامى والمحتاجين هم فقراء بالفعل، بيمنا الله تعالى هو الغني بالمطلق عن كل شيء، فالكل محتاج له وهو غني عن الكل، والله تعالى باعتباره غني مطلق فهو رضي لحقه مجرد القول من الذكر والشكر والإقرار بربوبيته تعالى، بينما حق عبادة من الفقراء والمحتاجين وبالأخص الأيتام لم يرضى إلا عمل الخير لأجلهم.
وقضية اليتيم باعتبارها قضية إنسانية بالدرجة الأولى، أولاها الإسلام اهتماماً خاصة عالجها علاجاً دقيقاً، فالإسلام بالإضافة إلى أنه شجع على كفالة اليتيم، وجعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كافل اليتيم في درجته بالجنة، وضع أيضاً أحكاماً لليتيم، منها أنه جعل الحاكم الشرعي مسؤول عن تعيين وصي لليتيم، وإن تعذر وجود الوصي فرض على نفس الحاكم الشرعي أن يكون وصيه، وجعل أحكاماً لليتيم تصب في صالح رعايته مالياً حتى يكبر وفرض له حق من الميراث كأي أحد من أبناء المتوفى، وهذا الأمر لم يكن في الجاهلية.
وجعل أيضاً لليتيم حق في الرعاية النفسية، فهذا الطفل الذي يفتح عينية على الدنيا ويرى الأطفال برفقة آبائهم كل منهم يحنو على ولده، يتولد عند اليتيم شعوراً بالنقص والفقد للحنان، وهذا الأمر أيضا عالجه الإسلام بحث أمر بالحنو عليه وحرم نهره وكسر قلبه.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (إذا بكى اليتيم في الأرض قال الله عز وجل: من أبكى عبدي هذا اليتيم الذي غيبت أبويه أو أباه في الأرض فتقول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا فيقول الله عز وجل أشهدكم ملائكتي ان من أسكته برضاه فأنا ضامن لرضاه من الجنة قيل يا رسول الله وما يرضيه قال يمسح رأسه أو يطعمه تمرة).
لذا وجب على المجتمع المساهمة قدر الإمكان في بناء دور للأيتام، وتنظيم عمل كل منها على أسس تضمن لهم الرعاية المادية والنفسية والصحية، وعلىى المشرفين عليهم رعايتهم والحنان عليهم، لأنه في ذلك نتائج إجابية على نفس المجتمع، فتربية يتيم تربية صالحة تجعل منه مواطن صالح لمجتمعه، بينما لو خلي اليتيم بلا تربية وإشباع بالحنان والغذاء فسيتنج عنه شخص يحمل على المجتمع الحقد والكراهية وربما يدفعه ذلك إلى الجريمة.