ملكوت السماوات والارض – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
الآية الكريمة تدعو الإنسان إلى التفكر في ملكوت السماوات والأرض، واستيعاب عظمة الخالق من خلال مخلوقاته، بعيدًا عن الانشغال الدائم بالغرائز المادية والحياة الدنيوية.
معنى ملكوت السماوات والأرض:
لفظة الملكوت هي صيغة المبالغة من كلمة “ملك”، وتعني السلطان العظيم المطلق والقدرة التي لا نهاية لها.
وعندما يأمر الله الإنسان بالتأمل في ملكوته، فهو يحثه على:
الاطلاع على الكون بمكوناته السماوية والأرضية.
إدراك عظمة الخالق وعظم سلطانه على الكون.
تنمية الروح والفكر والارتقاء العقلي بعيدًا عن مجرد التفكير في الطعام والشراب والملبس.
التفكر وسعة الأفق الإنساني:
إن التفكر في خلق السماوات والأرض يفتح للإنسان أفقًا واسعًا:
يجعل الإنسان يدرك حجمه الحقيقي أمام الله، فيزداد خشوعه وخضوعه للخالق.
يحفزه على الاستمرارية في العلم والاكتشاف، فكل يوم يحمل للبشرية اكتشافات جديدة تفضح أسرار هذا الكون.
يخرج الإنسان من أسر الغرائز والطبيعة الحيوانية، نحو حياة روحية وعقلية راقية.
قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام:
“فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها…”
في هذا القول الشريف تحذير من الانغماس في الدنيا، وتذكير بأن الإنسان فكر وروح قبل أن يكون جسدًا، وأن هدفه من الحياة ليس مجرد البقاء الجسدي بل الارتقاء الروحي والفكري.
الكون كتاب تكويني إلى جانب القرآن:
كما أن القرآن كتاب تدويني يرشدنا إلى معرفة الله وحكمه، فإن الكون نفسه كتاب تكويني مفتوح للعيان والفكر:
كل ظاهرة طبيعية أو سماوية تحمل رسالة عن قدرة الله وحكمته.
العقل البشري هو أداة الإنسان لفك طلاسم الكون، كما أن التفكر في الكون يرسخ الإيمان بالقرآن وحقانية رسوله صلى الله عليه وآله.
العلم والاكتشاف ليسا منافيين للإيمان، بل هما سبيل لفهم ملكوت السماوات والأرض وتقدير عظمة الخالق.
وفي الختام:
القرآن الكريم والكون من حولنا يشكلان مدرستين متكاملتين للتفكر: الأولى كتاب منزل، والثانية كتاب خلق.
من يتأمل ملكوت السماوات والأرض ويوازن بين تفكيره الروحي والفكري، يحقق ارتقاءً حقيقيًا في عقله وروحه، ويخرج من الانغماس في الدنيا إلى حياة ملؤها العلم والخشوع والخضوع لله تعالى.