فكر الإمام السجاد عليه السلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر *** وقربهم منجى ومعتصم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم *** أو قيل من خير خلق الله قيل هم
مشتقة من رسول الله نبعته *** طابت عناصره والخيم والشيم
إن من يجلس على مائدة تعجب بأشهى وأزهى ألوان الطعام وصنوفه يحار من أين يبدأ وأين ينتهي ومتى ينتهي، فأينما حطت أنظاره حطت على طعام شهي ورائحة زكية ولون زاه.
هكذا هي مائدة أهل البيت عليهم السلام، فهم نجوم بأيهم اقتدينا اقتدينا، وهم نور وهدى وسيرتهم تشكل دروسا عملية لكل إنسان باحث عن الحق.
وتجد أن المسلمين كلما أعيتهم الحاجة وضاقوا ذرعا بالواقع وفسق الحكام وبعدهم عن الإسلام الحقيقي لجؤوا إلى منبع العلم الحقيقي ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة أهل البيت صلوات الله عليهم، لأنهم الامتداد لجدهم رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذا الامتداد ليس مجرد امتداد نسبي يتعلق بالدم واللحم والأبوة والبنوة، والدليل على ذلك أنك تجد العديد ممن ينتسبون إلى هذا النسب الطاهر لكن سيرتهم لم تكن سيرة مشرفة، فمنهم من كان يشرب الخمر ويمارس الفجور، فلسنا مأمورين باتباع هؤلاء والاقتداء بهم، بل إن الامتداد يقصد به حمل رسالة السماء وإيصالها إلى تلك القلوب الولهى التواقة لمعرفة الإسلام معرفة حقيقية من أصحابه الحقيقيين.
وقد تجد من الأباعد ممن لم ينتموا لأهل البيت عليهم السلام من كانوا على قدر عال من الإيمان والصلاح بحيث لا يقاس مئات ممن ينتسبون لذلك البيت بهم، فالله لا ينظر إلى حسب الإنسان ونسبه عند حسابه بل يحاسبه على أعماله وما قدمت يداه بغض النظر عن حسبه ونسبه.
وإن الإمام السجاد عليه السلام أحد هؤلاء الأنجم الزاهرة والبراهين الواضحة، وهو الذي قال لشامي كان يشتمه عندما سيق مع السبايا إلى دمشق ألم تقرأ قول الله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، ولم يكن الإمام السجاد يقصد بذلك القرابة النسبية وليس هذا مقصود الآية الكريمة، بل المقصود هو حمل أمانة النبي صلى الله عليه وآله وهي رسالة السماء ورسالة الإسلام المقدسة وحفظها وصونها عن كل تحريف وانحراف.
ولم تكن نية الإمام السجاد عليه السلام بإخباره لذلك الرجل الشامي بالآية الكريمة أن يستدر عطفه ويلتمس شفقته، بل كان يريد أن يعرفهم الناس ويعلموا من هم، فقد كانت السلطة الأموية الحاكمة تعتم عليهم وقد أشاعت أنهم من أسرى الروم أو الكفار وما شابه ذلك.
وقد حاول بعضهم كابن تيمية حرف هذه الآية عن مسارها فادعى أن الآية واقعة في سورة مكية ولم تنزل في محبة أهل البيت عليهم السلام، والحال أن إجماع المفسرين على أن هذه الآية مدنية رغم وقوعها في سورة مكية أشهر من أن يذكر، ومثل هذه المحاولات لا تعدو كونها محاولات مغرضة ذات أهداف مشبوهة.
ومع الأسف تجد العديد من الكتاب والفقهاء المعروفين لا يولون تلك الأهمية لأهل البيت عليهم السلام، ولا يبرزون دورهم في نشر العلوم والمعارف الإلهية، بينما تجدهم يضخمون أدوار أشخاص لم يكن دورهم بذاك الشكل، لكنهم يفعلون ذلك لغاية في أنفسهم، رغم أن الإمام السجاد عليه السلام كان يجلس من الصباح إلى المساء في مسجد النبي يفتي الناس في شؤونهم وأمورهم، لكنك تجد المديح والثناء يكال لغيره.
ومن أهم ما تركه لنا الإمام السجاد عليه السلام من تراث يمكن أن يشكل بنفسه مدرسة فكرية وقانونية بحد ذاتها رسالة الحقوق المعروفة، وهي رسالة في الحقوق والواجبات المترتبة على كل فرد منا تجاه كل شيء، فوردت فيها حقوق الأب على ابنه وحقوق الابن على أبيه وحقوق الأم على ابنها وحقوق أعضاء جسمنا علينا وحقوق المجتمع وما إلى ذلك. كما ترك الإمام السجاد عليه السلام الصحيفة السجادية التي تعتبر منارا من منارات الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.
إنها رسالة قانونية ذات مستوى رفيع تصلح لأن تكون أعظم ما كتب في هذا المجال، ولو تقيد بها كل منا لرأيت المجتمع يسير على خير ما يرام.
وقد أمرنا الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق بطاعة الأبوين وأكد على حقهما على الابن أيما تأكيد، ولو نظرت إلى واقعنا اليوم لوجدت من المآسي في هذا الإطار ما يندى له الجبين، وعلى مستوى ما يسمى اليوم بدور العجزة أو دور المسنين فإنك تجد أن الابن يرمي والده أو والدته اللذين أفنيا زهرة حياتهما في تربيته وتنشئته ليجدا أنفسهما يرمى بهما في ذلك السجن الذي يحاولون تلميعه بتلك المسميات التي لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئا، وما أعظمه من عقوق أن يرمي الابن بوالديه في ذلك المكان.
كما يشير الإمام السجاد عليه السلام إلى حق الجوار، ويقسم الجار إلى ثلاثة أقسام للأول حق وللثاني حقان وللثالث ثلاثة حقوق، فأما الأول فهو الجار الكافر، والثاني هو الجار المسلم، والثالث هو الجار المسلم الذي هو من رحمك.