علة وجوب الستر – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
يُعدّ الستر من القيم الجوهرية في الشريعة الإسلامية، لما له من أثرٍ عظيم في حفظ كرامة الإنسان وصيانة المجتمع من الانحلال. وقد جاءت هذه الآية الكريمة لتؤكد على وجوب التستر عند الوقوف بين يدي الله تعالى في الصلاة، بل جعلته زينةً تُلازم العبد في عباداته ومواقفه كلها.
الستر فريضة تشريعية ودليل على طهارة القلب:
يعتبر الفقهاء هذه الآية من آيات الأحكام، إذ فيها أمرٌ وجوبيٌّ بستر العورة، ويشتدّ هذا الحكم عند دخول المساجد وأثناء أداء العبادات.
لكن اللافت أن الخطاب الإلهي جاء بلفظ «يا بني آدم»، وهو نداءٌ يشمل جميع البشر، المسلمين وغير المسلمين، ما أثار نقاشًا فقهيًا عميقًا حول من يشمله التكليف الشرعي في الأحكام الفرعية.
خلاف الفقهاء في شمول الأحكام لغير المسلمين:
انقسم الفقهاء في تفسير شمول الخطاب إلى اتجاهين رئيسيين:
رأي فقهاء العامة: يرون أن غير المسلم غير مكلّف بالأحكام الفرعية كالصلاة والصيام والحجاب، لأن تكليفه الأول هو الإيمان بالإسلام، فإذا أسلم حينها يُكلّف بفروع الدين.
رأي فقهاء الإمامية: قالوا إن الفروع تابعة للأصول، وبما أن غير المسلم مكلّف بالإيمان بأصول الدين، فهو مكلّف كذلك بفروعه، وإن لم يُحاسب على ما فاته قبل الإسلام لأن الإسلام يجبّ ما قبله، لا لأنه لم يكن مكلّفًا بها سابقًا.
الحكمة الإلهية من وجوب الستر:
تتجلّى عظمة التشريع الإلهي في أن وجوب الستر ليس مجرد أمر شكلي أو ظاهري، بل هو وسيلة تربوية وأخلاقية لإصلاح الفرد والمجتمع.
فالله تعالى أراد أن تكون الصلاة مدرسة تهذيبية، وأن يكون المسجد مركزًا لإصلاح النفوس وتزكية القلوب.
والمجتمع الذي يلتزم بالستر والعفاف هو مجتمعٌ يسوده الاحترام والتوازن الأخلاقي، حيث تتحقق فيه المحبة والإخلاص، ويصبح أرضًا خصبة للتحضّر والتطور.
سبب نزول الآية الكريمة:
نزلت هذه الآية استنكارًا لفعل المشركين الذين كانوا يطوفون حول الكعبة عراةً بحجة أنهم يريدون عبادة الله بلباسٍ لا شبهة فيه من الحرام.
فنزلت الآية لتُبطل هذا التصوّر الباطل، وتُعلن أن الستر هو من زينة العبادة لا من شوائبها.
قال تعالى في الآيات السابقة إن فعلهم هذا فاحشةٌ ومنكرٌ عظيم، فحرّم التعري في العبادة وجعله من مداخل الشيطان لإفساد طهارة الإنسان.
حدود الستر الواجب على المرأة:
أوجب الإسلام على المرأة الستر الكامل في الصلاة وخارجها أمام الأجانب.
وفي الصلاة يجب عليها ستر بدنها كله عدا الوجه والكفين، وفي غير الصلاة يجب الالتزام بالحجاب الشرعي حفاظًا على الكرامة والعفة.
فالستر ليس تقييدًا للمرأة، بل درعٌ يحميها من الابتذال، ويصون جوهر أنوثتها من أعين الطامعين.
وقد جعل الإسلام الستر وسيلة لحفظ الأسرة وصيانة الأجيال، لأن الأم العفيفة تُنشئ جيلًا طاهرًا نقيًّا.
خطر دعاوى “تحرر المرأة” الزائفة:
ما يُروّج اليوم تحت شعار “تحرر المرأة” ليس سوى ستارٍ خادعٍ للتعري والانحلال، يراد به ضرب الأسرة من الداخل.
فإذا فُسدت المرأة، فسد الجيل والمجتمع بأسره.
إنّ الشيطان يسعى من خلال هذه الدعاوى إلى هتك حرمة الستر وإطفاء نور الطهارة الذي أراده الله للمرأة المسلمة، ليجعلها سلعةً في سوق الأهواء.
خاتمة المقال:
الستر عبادة قبل أن يكون عادة، وهو زينة المؤمن في الدنيا وستره يوم القيامة.
فكما أن الله أمرنا بالستر في الصلاة، أرادنا أن نحيا بالستر في كل جوانب حياتنا.
ومن حفظ عينه ولباسه ولسانه، حفظ الله عليه دينه وكرامته.
فالحياء شعبة من الإيمان، ومن ضيّع ستره ضيّع أعظم ما يملك: الحياء والإيمان.
مواضيع مشابهة

