قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

يزيد بن معاوية في الميزان – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾.

هذه الآية الشريفة تُظهر بوضوح أن من يتولى أمر الناس بغير أمرٍ من الله تعالى ويفسد في الأرض ويقطع الأرحام هو من الذين لعنهم الله، لأنهم تجاوزوا حدود الحق، وبدّلوا نعمة الله كفرًا، وسفكوا دماء الأبرياء بغير حق.

 

موقف العلماء من يزيد بن معاوية:

روى ابن الجوزي في كتابه الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد عن القاضي أبي يعلى الفراء أنه قال في كتابه المعتمد في الأصول بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل:

قلت لأبي: إن قومًا ينسبوننا إلى تولي يزيد!

فقال: يا بني، وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله؟!

ولم لا يُلعن من لعنه الله تعالى في كتابه؟

فقلت: في أي آية؟

قال: في قوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ…﴾،

فهل يكون فسادٌ أعظم من القتل؟!

وهذا النص الجليل يبيّن أن الإمام أحمد بن حنبل – إمام أهل السنة – لم يكن يرى ليزيد بن معاوية مكانًا بين المؤمنين، بل عدّه من المفسدين في الأرض الذين يستحقون اللعنة.

 

إجماع العلماء على جواز لعنه وذمه:

لم يقتصر الموقف الرافض ليزيد بن معاوية على مدرسةٍ واحدة، بل أجمع أغلب علماء المسلمين من أهل العامة والخاصة على جواز لعنه وذمه، بل وصرّح بعضهم بكفره لما صدر عنه من جرائم بشعة وأفعالٍ تُنافي الدين والعقل والإنسانية.

ومن هؤلاء العلماء:

الإمام الغزالي في بعض كتبه.

ابن حجر الهيثمي.

الألوسي صاحب تفسير روح المعاني.

ابن الجوزي وغيرهم من كبار المحدثين والفقهاء.

وقد استندوا في ذلك إلى أفعاله المشينة، ومنها:

قتله لسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عليه السلام في واقعة كربلاء.

استباحته لمدينة رسول الله صلى الله عليه وآله في واقعة الحرّة، حيث قتل أكثر من سبعمائة من حملة القرآن وهاجم النساء والأطفال.

هدمه لحرمة الكعبة المشرفة ورميها بالمنجنيق أثناء حصار مكة.

مجاهرته بالفسق والفجور ومعاقرته للخمور علنًا، بل وافتخاره بذلك شعرًا، كما قال في أبياته الكافرة: “لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل”.

وهذه الكلمات وحدها تكفي للحكم عليه بأنه أنكر ضروريات الدين وكذب بالوحي الإلهي، والعياذ بالله.

 

العدالة في التقييم لا التشفي بالخصوم:

ليس الهدف من بيان مساوئ يزيد بن معاوية هو التشفي أو الانتقام، وإنما هو بيان الموقف الحق الذي يجب على كل مؤمنٍ أن يتخذه تجاه من حارب الحق وقتل أولياء الله.

فأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يقيمون الناس بأفعالهم، فمن كان من أهل الطاعة والعدل أحبوه، ومن كان من أهل الظلم والعدوان تبرؤوا منه.

وفي كل مجتمعٍ رموز خيرٍ وهداية، ورموز شرٍ وضلالة، والقرآن الكريم يدعونا إلى الاقتداء بأهل الصلاح والابتعاد عن رموز الفساد والهدم.

 

يزيد نموذجٌ للحاكم الجائر:

تشير الآية الكريمة إلى أولئك الذين “تولّوا الأمر”، أي تسلّطوا على رقاب الناس بغير أمرٍ من الله، وساروا في طريق الفساد والظلم.

ويزيد بن معاوية كان نموذجًا صارخًا للحاكم الفاسق، الذي ورث الحكم بالقوة واستبدّ بالسلطة، وعمِل على إذلال الأمة وسفك دماء الأبرياء.

فقد قتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، وأراق دماء المسلمين، واعتدى على الحرمات، إلى أن انتهى به الأمر قاتلًا، فاسقًا، مخمورًا، يُعلن فجوره بلا حياء. ومع ذلك، لا يزال في عصرنا من يكتب مدافعًا عنه، واصفًا إياه بـ“المفترى عليه”!

وهذا من أعجب صور تحريف التاريخ وإعادة تلميع المجرمين باسم الدين.

 

خاتمة: في ميزان الحق والعدل:

إنّ يزيد بن معاوية حين يُوزن بميزان القرآن والعدل، لا يمكن أن يكون إلا من المفسدين في الأرض الذين لعنهم الله في كتابه، وأصمّهم وأعمى أبصارهم عن الحق.

لقد قتل أولياء الله، وهتك حرمة الإسلام، وسفك دماء الأبرياء، فصار رمزًا للظلم عبر التاريخ، ومثالًا يُضرب لكل من تولى أمر الأمة بغير عدلٍ ولا شرعٍ ولا وازعٍ من ضمير.

وما تبرؤ المؤمنين من يزيد إلا وفاءٌ للحق، ونصرةٌ للمظلومين، وتمييزٌ بين أهل النور وأهل الظلام، بين من أحب الله ورسوله، ومن عاداهما بفعله وسلوكه.

 

مواضيع مشابهة

رحيق المجالس – 694- القول بالجبر عند بني أمية

أحاديث في ما جرى على الحسين (ع) بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته