التقليد والتعصب للآباء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
يعيش الإنسان في مجتمعاته متأثرًا بعاداته وتقاليده، وغالبًا ما يتوارث الموروث الديني والفكري عن آبائه وأجداده. لكن هل هذا التقليد دائمًا صائب؟ وهل اتباع ما ورثناه عن أسلافنا بدون تمحيص وفحص صحيح أمام معايير العقل والدين؟
يجيب الله تعالى في محكم كتابه الكريم:
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}
فالنبي صلى الله عليه وآله لم يتبع أهواء قومه، ولم يقر بعبادة الأصنام، مهما كانت عادة مجتمعه أو ما ورثه عن آبائه.
خطر التقليد الأعمى:
إن المجتمع الذي عاصر النبي صلى الله عليه وآله كان مأسورًا لعبادة الأصنام نتيجة التقليد والتعصب للآباء والأجداد، وليس نتيجة بحث عن الحق.
كثير من الناس اليوم يتدينون بالدين الذي ورثوه عن آبائهم دون تمحيص.
بعضهم يعرف أن موروثه فيه شوائب أو أخطاء، لكنه يصر على الالتزام به لمجرد الولاء للأسلاف.
فالآية الكريمة توضّح أن قريشًا أرادت من النبي أن يقر بعبادة أصنامهم، لكن الله جعل عقله تعالى مكرّمًا، فجعل عبادة الأصنام خروجًا عن المنطق والفطرة، ورفض النبي صلى الله عليه وآله الانصياع لتقاليد غير هادفة.
العقل: معيار الحق والدين:
الله تعالى خلق العقل للإنسان وجعله أداة مميزة للتمييز بين الحق والباطل، فقال تعالى: {وجعلنا لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}
عبادة الأصنام هي تسفيه للعقل وإهانة للإنسانية، إذ كيف يقبل الإنسان أن يعبد شيئًا صنعه البشر بأيديهم، ويعتقد أنه خالق الأكوان؟
الإسلام لا يقبل دين أحد إلا باليقين والحجة والبرهان. فالإيمان ليس مجرد تقليد، بل اختيار واعٍ مستنير:
الصلاة فرضت لتربية النفس وتهذيب الروح.
الصيام فرض لتحقيق التقوى والانضباط الذاتي.
الحج والعبادات الأخرى تحمل فلسفة واضحة، لكنها تبقى مخفية جزئيًا لإبقاء معنى العبودية خالصًا لله تعالى.
أهمية نقد الموروث وتحرير العقل:
التقليد الأعمى يسبب الجمود الفكري ويحول الإنسان إلى مجرد نسخة من أسلافه. بينما الإسلام يحثنا على:
التفكر والتمحيص: النظر في صحة الموروث، والتمييز بين الصالح والفاسد.
رفض التقليد الأعمى: حتى لو كان متعارفًا عليه في المجتمع.
استخدام العقل: لا في الدنيا فحسب، بل في الدين أيضًا، لأن العقل هو أداة الهداية والفهم.
بهذا الأسلوب يصبح الإنسان مفكرًا متدينًا، وليس مجرد متبع لموروثاته بلا تمحيص.
وفي الختام:
الله تعالى نهى عن عبادة الأصنام والتقليد الأعمى للآباء ليحرّر الإنسان من قيود الجهل والتقليد، ويجعله مسؤولًا عن اختياراته الدينية والفكرية.
فالالتزام بالعقل والتمحيص في الموروثات يضمن دينًا صحيحًا وقيمًا راسخة ومجتمعًا واعيًا، بعيدًا عن التقاليد الموروثة التي لا تخضع لمنطق الحق أو ضوابط الشرع.

