أهمية التمسك بالقرآن – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
لا يمكن للأمة أن تنهض أو تستقيم خطاها ما لم تتصل بكتاب الله تعالى اتصالًا واعيًا، يحيي العقول ويهذب النفوس ويقيم السلوك. فالقرآن ليس كتابًا يُقرأ للتبرك فقط، ولا أثرًا تاريخيًا نزيّنه في البيوت، بل هو دستور حياة، ومنهج إصلاح، ودواءٌ للقلوب، ونور يهدي في ظلمات الفتن. وتشير الآية الكريمة:
﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾
إلى أنّ التمسك الحقيقي بالقرآن هو الطريق لصناعة الإنسان الصالح والمجتمع المصلح.
المحور الأول: معنى التمسك بالكتاب في القرآن:
التمسّك بالكتاب في الآية لا يراد به: الإمساك المادي بالقرآن، ولا الاحترام العاطفي فقط، وإن كان هذا مطلوبًا، ولكنه لا يكفي.
المقصود بالتمسك هنا هو: الالتزام بأحكام القرآن، اتّباع أوامره ونواهيه، جعل تعاليمه ميزانًا للسلوك، وتحويل مبادئه إلى واقع عملي.
فالقرآن نزل ليُعمل به، لا ليُعلّق، ونزل ليقود الناس، لا ليكون رمزًا لا تأثير له في واقع الأمة.
المحور الثاني: الاتهام الخاطئ بعدم تمسك الشيعة بظواهر القرآن:
تُطلق بعض الجهات اتهامًا بأن الشيعة لا يأخذون بظواهر القرآن، أو أنهم يفسرونه تفسيرًا باطنيًا. وهذه دعوى غير صحيحة، يشهد ببطلانها: مؤلفات علماء أصول الفقه الإمامية، اعتمادهم الصريح على حجية ظاهر القرآن، عدم اللجوء لتأويل الآيات إلا عند الضرورة العقلية أو النصية.
فمثلًا قوله تعالى: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى﴾
لا يمكن حمله على العمى الحسي، لأن الأعمى بصريًا قد يكون بصيرًا قلبيًا، وهذا مثال واضح على ضرورة فهم المعاني القرآنية بميزان العقل واللغة والسياق.
المحور الثالث: صلاح الأمة مرتبط بالقرآن:
يؤمن المسلمون بأن القرآن هو مصدر إصلاح الأمة في الدين والدنيا معًا. فالتعاليم القرآنية: تبني الأخلاق، وتحفظ العلاقات، وتؤسس النظام الاجتماعي، وتضمن العدالة، وتغرس الرحمة، وتربي جيلاً واعيًا مؤمنًا.
ولكن بعض أبناء الجيل المعاصر يتوهمون أن القرآن لا يواكب العصر، وأن بعض أحكامه تصطدم مع حرية المرأة أو تطورها الاجتماعي. وهذه قراءة سطحية ناتجة من: سوء الفهم، ضعف الاطلاع، واتباع الأهواء الغربية دون وعي.
ردّ شبهة الحجاب مثالًا:
قوله تعالى ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾
فالحجاب يُهاجَمُ من بعض الناس باعتباره تضييقًا على المرأة، بل يشبّهه البعض بألفاظ مهينة.
لكن الحقيقة أن: الحجاب حماية لا تقييد، وصون لا حبس، وكرامة للإنسان قبل أن يكون زيًا خارجيًا.
فالمجتمع يبدأ من الأم، وهي الحاضنة الأولى للجيل القادم، ولذلك جعل الإسلام لها مكانة عظيمة، وطلب صيانة كرامتها وهيبتها ومقامها.
وإذا تحوّلت المرأة إلى سلعة باسم “التحرر”، فمن أين نأتي بجيل متوازن، ومن أين نؤسس مجتمعًا مستقيمًا أخلاقيًا؟
المحور الرابع: مقارنة بين رؤية الإسلام ورؤية الغرب للأسرة:
الغرب الذي يُقدَّم اليوم كنموذج حضاري: ضعفت فيه الروابط الأسرية، تراجعت فيه صلة الأبناء بالآباء، وتحوّل كبار السن إلى دور العجزة، وتفككت مؤسسة الأسرة بشكل مخيف.
بينما الإسلام: جعل برّ الوالدين عبادة، واعتبر رعاية الأبوين أساسًا من أسس التقوى، وحذّر من العقوق، وربط بين صلاح الفرد وصلاح الأسرة.
قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾
ليدلّ بذلك على أن الإنسان لا يكتمل دينه ولا إنسانيته إلا بحسن معاشرة أهله ووالديه.
وفي الختام:
التمسك بالقرآن ليس شعارًا يُرفع، بل منهج حياة يُطبق.
وكل انحراف في الأمة يعود إلى ترك الكتاب، وكل رفعة لها تعود إلى الرجوع إليه.
فالقرآن طاقة نور لا تنطفئ، ومصدر هداية لا يُستغنى عنه، وسبيل إصلاح لا يعوّضه أي تشريع بشري.
ومن أراد السعادة في الدنيا والآخرة فليجعل القرآن قائده ومرشده ونور قلبه.

