قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

التقليد في العقيدة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

تُعدّ العقيدة أساس الدين وروح الإيمان، وهي البوابة التي يدخل منها الإنسان إلى معرفة الله تعالى واليقين بصفاته وأفعاله. ومن أخطر ما يصيب العقائد أن تتحوّل إلى ميراث يُتلقى دون تمحيص أو تأمل. ولهذا جاءت الآية الكريمة:

﴿وَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ…﴾

لتُحرك العقل الغافل وتوقظه من أسر التقليد، وتدعوه إلى النظر في ملكوت الله والتأمل في خلق السماوات والأرض؛ لأن الإيمان الحق لا يبنى على عادةٍ متوارثة، بل على يقينٍ مستنير.

 

معنى التقليد في العقيدة وأساس المشكلة:

يُقسّم علماء أصول الدين طريقَ تحصيل الإيمان إلى طريقين رئيسيين:

طريق التقليد:

وهو أن يؤمن الإنسان بما وجد عليه أبويه أو مجتمعه دون فحص أو بحث، فيتقبّل: المعتقدات، الطقوس، العادات، والتصوّرات عن الله والكون، كما ورثها، لا عن اقتناع عقلي.

وهذا هو الطريق الذي سلكته الأمم الضالة سابقًا، وقد ذمّه القرآن في عشرات الآيات، لأنه يجعل الإنسان تابعًا لا بصيرًا، ويحوّل الدين إلى ركام من العادات المتوارثة لا إلى وعي وإيمان.

طريق النظر والتفكر:

وهو الطريق العقلي الذي يقوم على: التأمل في خلق الله، التفكر في ملكوت السماوات والأرض، قراءة آيات الكون المفتوحة، والاستدلال بقانون السببية.

ومن خلال هذا التأمل يصل الإنسان إلى الإيمان بالله تعالى، باعتباره الخالق الحكيم المدبر.

 

هل يُقبل الإيمان بالتقليد؟ نقاش العلماء:

اختلف العلماء في مسألة: هل يكفي أن يُولد الإنسان في بيئة مؤمنة فيكون مؤمنًا بمجرد التقليد؟ أم عليه البحث بنفسه؟

الرأي الأول: لا يكفي التقليد في العقيدة

أصحاب هذا الرأي يقولون: إن الله كلّف الإنسان بالعقل، وإن العقيدة يجب أن تُبنى على دليل، وإن الإيمان الموروث بلا بحث لا ينجي صاحبه.

ويرون أن على الإنسان ـ مهما كان دين أهله ـ أن يبحث ويتأمل في أدلة وجود الله ووحدانيته، لأن الإيمان بلا نظر لا يرقى إلى مستوى التكليف الشرعي.

الرأي الثاني: مراعاة من لا يملك القدرة على البحث

وهذا رأي يراعي الفوارق العقلية بين البشر.

فبعض الناس: لا يملك القدرة الذهنية على البحث العميق، أو لا يعرف طرق الاستدلال، أو يعجز عن دراسة الأدلة الفلسفية والكلامية.

وهؤلاء يكفيهم ـ وفقًا لهذا الرأي ـ السؤال والاطمئنان إلى أقوال أهل العلم، مع وجود حدٍّ أدنى من التفكير الفطري المباشر.

 

الدليل الفطري: قانون السببية

حتى الإنسان البسيط الذي لا يتقن الفلسفة ولا علم الكلام، يمتلك دليلاً فطريًا أصيلًا هو:

قانون السببية: وهو الذي قاد البشر عبر كل العصور إلى الإيمان بالله تعالى.

فحين يتأمل الإنسان: البحر، الأشجار، الجبال، حركة الكواكب، تناسق الوجود، يدرك ببساطة أن هذه الأشياء لم تُوجد بنفسها، وأن لها خالقًا قادرًا حكيمًا، وهو الله سبحانه.

ولهذا لا يُعذر الإنسان بالتقليد المطلق، لأن الله: منحه العقل، وحمّله أمانة التفكير، وجعل العقل مناط التكليف.

 

العقل أساس التكليف في العقيدة:

تؤكد الروايات الشريفة أن العقل معيار قبول الأعمال، وأن الإنسان مهما كثر عمله، فإن عمله بلا وعي لا قيمة له.

من الروايات الدالة على ذلك:

قول الإمام الصادق عليه السلام في الرجل كثير الصلاة كثير الصدقة: (يا إسحاق، كيف عقله؟ … لا يرتفع بذلك منه)، أي: لا قيمة لعبادة بلا عقل.

وقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تباهوا به حتى تنظروا كيف عقله).

فالمعيار ليس كثرة العمل، بل جودة الوعي، لأن العقل هو الذي يصون العقيدة من الانحراف.

 

خلاصة الكلام:

الإيمان الحقيقي لا يُبنى على التوارث، ولا على اتصالٍ عاطفي بالماضي، بل على نور العقل وهداية الفطرة.

والله تعالى دعا الإنسان إلى أن ينظر في ملكوته الواسع، ويستدل على وجوده بوحدة الخلق وإحكام النظام.

فمن بنى عقيدته على النظر فاز بالهداية، ومن اكتفى بالتقليد بلا تفكير ضلّ عن الطريق، لأن الله وهب العقل ليكون دليلًا إلى الحق لا أسيرًا للعادات.

 

مواضيع مشابهة

المنبر العميد – 389 – العقيدة الصحيحة والعقائد الفاسدة

أخاف من تنفير الناس من الدين!