والذين هاجروا وجاهدوا – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
إن الآيات التي تذكر الإيمان تأتي على صيغتين، إما مقيدة كأن تقول (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) أو مطلقه كقوله تعالى في هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ)، وفي هذه الحاله يكون المتعلق بالإيمان هو الإيمان بالله تعالى، لأن أشرف أصناف الإيمان هو الإيمان بالله.
ومن يؤمن بالله فسيؤمن بكل شيء، اليوم الآخر والغيب والرسل والملائكة والحساب والعقاب والجنة والنار، فلا يمكن الإيمان بالقيامة مع عدم الإيمان بالله تعالى، لأن القيامة والحساب تجسد عدل الله تعالى، فنجد في عالمنا الكثير من الظالمين يموتون كما يموت باقي البشر، وهذا لا يعني أنه لا وجود لعدل الله بل إن الله أجل حسابه ليوم القيامة.
والإيمان بالله تعالى حتى يحصله الفرد لا بد له من وجود براهين تدله على الله تعالى، وهذه البراهين هي موجودة في عقل كل إنسان، وهي براهين بديهية كبرهان السببية، فلا يوجد إنسان مهما كان ذو إدراك محدود إلا أنه يدرك قانون السببية.
فالإيمان بوجود الله يدل على العقل الكامل للإنسان، فالإيمان بوجود الله يعزز الإنسان ثقته بنفسه، فكل إنسان لا يمكن له أن يجد تفسير لوجود الكون دون الاعتراف بوجود الله، والإيمان الحق بالله تعالى يهذب سلوك الإنسان، فلا يمكن لشخص أن يرتكب ظلم طالما أنه يعلم أن الله تعالى سيحاسبه يوم القيامة.
والهجرة بشكل عام هي أمر تكرهه النفس، ولكنه من جهة أخرى كما له سلبيات له فوائد، فمن فوائده تحصيل العلم أو الرزق، أو إن كان المؤمن غير قادر على ممارسة دينه، أو مهدد بحايته لأجل دينه هنا يتوجب عليه الهجرة، كما كانت هجرة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة.
فهو خرج من مكة وهي كما عبر صلى الله عليه وآله أحب الله الله إلى قلبه، ولكن في الوقت نفسه كانت لهجرته الآثار العظيمة على نشأة دولة الإسلام، وانطلاق الدعوة منها إلى العالم، ومن ثم دخول الناس في دين الله أفواجا.
وكذلك الإمام الحسين عليه السلام عندما أراد أن يخرج من المدينة الأرض التي ولد وترعرع فيها، وفيها بيته الذي ولد فيه وقبر أمه الزهراء عليها السلام، غدا ليلة سفره إلى مكة يتردد على قبر جدة الرسول صلى الله عليه وآله عدة مرات يتزود من تراب قبره المبارك.