رحمة النبي صلى الله عليه وآله د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد، فعندما خالف الرماة رسول الله ونزلوا لساحة المعركة حتى لا تذهب عليهم الغنائم فتحت لدى المشركين ثغرة التفوا من خلالها على المسلمين وانقلبت نتيجة الغزوة من نصر إلى هزيمة.
فرغم النتائج المأساوية التي تسبب بها الرماة بعصيانهم للنبي صلى الله عليه وآله إلا أنه لم يعاقبهم أو يوبخهم وحتى لم يعاتبهم بعد عودتهم للمدينة، على العكس تماماً فإنه سكت عنهم وتعامل مع الموضوع وكأن شيئاً لم يكن.
فجاءت هذه الآية الكريمة تشكر عمل النبي صلى الله عليه وآله معهم بأنه أستعمل اللين والعفو معهم ولم يستعمل الشدة، وأنه رغم ما وقع به من أذى وجراحات إلا أنه أسقط حقه الشخصي عنهم، لذا قال تعالى (َاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) فطلبت الآية منه الاستغفار لهم لأنهم خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وآله وبذلك يكونوا قد عصوا أمر الله لهم بطاعته.
وفي ذلك حكمة أن الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله أرادا أن يربيا المجتمع، وكان في سكوت النبي صلى الله عليه وآله عنهم دافع لهم لأن يخجلوا من مخالفتهم أمره عسى أن يصححوا مسيرهم.
وعلى هذا لم يكن للإسلام هدف من العقاب في القصاص والحد والحبس الانتقام من المخالف أو المجرم، إنما الهدف من تشريع تلك الأمور هي تربية المجتمع وتحقيق العدالة فيه وحفظ أمنه.
ثم قال: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ليستجلب مودتهم بالمشورة وليس كما ذكرت بعض المذاهب الإسلامية أن كل أمر مهم يجب أن يخضع للشورى، فمن تلك الأمور التي اعتمدوا فيها الشورى هو أمر الولاية من بعد النبي صلى الله عليه وآله، فذكروا أن رسول الله رحل عن الدنيا دون أن يوصي بخليفة من بعده، وهذا يعني أنه ترك أمر الخلافة شورى بينهم.
والحق ليس كذلك، فرسول الله صلى الله عليه وآله أوصى مراراً وتكراراً بولاية علي ابن أبي طالب عليه السلام، ابتداءً منذ ان بلغ عشيرته الأقربين إلى أن جمع آلاف المسلمين بغدير خم وأخذ منهم البيعة لوصييه وخليفته من بعده أمير المؤمنين عليه السلام، حتى استفاضت كتب المسلمين بالروايات التي تحدثت عن بيعة الغدير.