الإسلام والشرائع السابقة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
القرآن الكريم أوضح أن الإسلام لم يأتِ لنسف الشرائع السابقة بالكامل، بل أقر بعضها ونسخ البعض الآخر بحسب ما يحقق المصلحة ويواكب تطور المجتمعات. كما جاء في قوله تعالى:
(..مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ..)
فالنبي إبراهيم عليه السلام يمثل الأصل الذي اتفقت عليه جميع الرسالات السماوية، وهو أبو البشرية الروحي والديني الذي عليه قامت الشرائع كافة.
الإسلام وشرائع السابقين:
القرآن لم يلغِ الأحكام السابقة إلا إذا كانت غير صالحة أو لم تعد مناسبة، فبعض الأحكام استمر العمل بها لعدم تغير مواضيعها وبقاؤها على مصالح الناس، مثل: قتل القاتل، الدية، حد الرجم للزاني
فبعض الأحكام تطورت، مثل الصوم الذي كان في الشرائع السابقة خمسين يومًا وخفّف الإسلام شهرًا واحدًا.
الشرائع كلها من مصدر واحد:
جميع الرسالات السماوية مصدرها واحد وهو الله تعالى، ولكن الاختلاف بين الشرائع سببه اختلاف الظروف والمجتمعات.
وأن بعض أتباع الشرائع السابقة أدخلوا تغييرات على النصوص الشرعية بما يتوافق مع أهوائهم، وهذا يسمى التلاعب بالدين وليس شرعًا حقيقيًا.
أبوة النبي إبراهيم عليه السلام:
المفسرون اختلفوا في معنى أبوة إبراهيم: البعض قال إنها أبوة حقيقية أي والده البشر.
والبعض الآخر قال إنها أبوة روحية أي أنه رمز الخلق الروحي والهدى الديني لجميع الأمم.
فالأبوة الروحية تعطي الإنسان الخلود في الدنيا والآخرة، بينما الأبوة الجسدية مجرد سبب وجوده في الحياة الدنيا.
الحكمة من استمرار بعض الأحكام وتغيير البعض الآخر:
بقاء الأحكام لما لها من فائدة مستمرة.
نسخ أو تعديل الأحكام لتتناسب مع الظروف الجديدة وتحقق مصالح الناس.
تحقيق التوازن بين الرحمة والعدل، وبين العيش في الدنيا والهدف من الآخرة.
نتيجة فهم العلاقة بين الإسلام والشرائع السابقة:
الإسلام يمثل تطور الشرائع السماوية وتحقيق مقاصدها.
احترام الشرائع السابقة مع تصحيح ما خالف الفطرة أو المصلحة العامة.
إدراك أن جميع الرسالات جاءت من مصدر واحد يعزز الوحدة بين الأديان ويكسب الإنسان رؤية عقلانية ودينية صحيحة.
وفي الختام:
الإسلام لم يأتِ لإلغاء كل ما سبق، بل جاء ليصحح ويكمل ويعدل الشرائع بما يحقق مصلحة البشر ويواكب الواقع. الأبوة الروحية لإبراهيم عليه السلام تُظهر أن الرسالات السماوية مترابطة المصدر، وأن الهدف النهائي هو راحة الإنسان في الدنيا والآخرة، مع الحفاظ على الفطرة والعقل والقيم الروحية.

