هل الدنيا لهو ولعب؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
القرآن الكريم وصف الحياة الدنيا بأنها لهو ولعب في قوله تعالى:
(إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ)
هذه الآية تثير تساؤلاً هامًا: هل الحياة الدنيا حقًا مجرد لهو ولعب؟ الواقع أن الله عز وجل أراد أن يوجه الإنسان نحو فهم أعمق لطبيعة الحياة، فهي ليست مجرد متعة أو ترف، بل مزرعة للآخرة وفرصة لاكتساب الأعمال الصالحة.
تفسير الحصر في الآية:
أداة الحصر (إنما) تشير إلى التركيز على أن غالبية أهواء الإنسان في الدنيا إذا لم يوجَّه توجيهًا صحيحًا تصبح لهو ولعب.
ليس المراد أن الحياة كلها لهو ولعب، بل أن أحيانًا يشغل الإنسان بالدنيا عن الغاية الحقيقية من وجوده.
الحياة الدنيا كفرصة للآخرة:
الله جعل الدنيا مزرعة للآخرة، فكل عمل صالح فيه هو استثمار دائم، فالانشغال باللهو واللعب فقط يميت الإنسان الروحي، ويضيع فرصته في الأعمال التي تُخلد له في الآخرة.
دروس من حياة العلماء والصالحين:
الكثير من العلماء والمفكرين لم يقضوا حياتهم في اللهو، بل كانت مليئة بالدراسة والبحث والاجتهاد.
إن كان هدفهم نيل رضا الله تعالى، فإن الجزاء يكون في الدنيا والآخرة.
إن كان هدفهم دنيويًا بحتًا، فإن الله يعطي جزاءهم في الدنيا فقط، كما في قوله تعالى:
(مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ)
الإيمان والعمل الصالح أساس الفوز بالآخرة:
الجنة ليست مجرد جزاء للإيمان، بل تحتاج إلى الجمع بين الإيمان والعمل الصالح، والتقوى هي جزء من العمل الصالح، وتعني الامتناع عن المعصية والالتزام بأوامر الله.
فعلى سبيل المثال: ترك الزنا أو المال الحرام هو عمل صالح، ويُؤجر عليه الإنسان، كما يُحاسب على الأفعال المادية.
التوازن بين متع الدنيا وأعمال الآخرة:
الاستمتاع بالملذات المباحة في الحياة الدنيا جائز، لكن ضمن حدود الشرع وبدون إسراف، وفي المقابل التركيز على الأعمال الصالحة والتقوى يجعل الحياة الدنيا مليئة بالقيمة والمعنى، بدل أن تصبح لهوًا ولعبًا فارغًا.
وفي الختام:
الحياة الدنيا ليست مجرد لهو ولعب، بل هي فرصة للاستثمار الروحي والدنيوي. القرآن الكريم يحثنا على الإيمان والعمل الصالح والتقوى لتحقيق جزاء دائم في الآخرة، مع الاستفادة من ملذات الدنيا المباحة دون إسراف أو غفلة. فهم هذا التوازن يجعل الإنسان يعيش حياته بما يرضي الله ويحقق السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

