قيمة الوفاء بالعهد – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(… وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)
إن من أعظم القيم التي تبنى عليها المجتمعات المتحضرة هي قيمة الوفاء بالعهد، والالتزام النعهدي يشمل جميع أبعاد الحياة المجتمعية ومنها الوفاء بالعهد بين الزوجين وبين المتعاقدين وكل العهود المدنية بل بالعهود العسكرية والحربية، كالوفاء بالبيعة على القتال والجهاد، وإن المسلمين مأمورين بالوفاء بالعهد وعدم أحد المسلمين وفاء بعهده يوجب الإخلال بإسلامه.
وإن الوفاء بالعهد يترتب عليه بناء صرح الدولة والمجتمع والصر ح الأخلاقي عند الإنسان، فالفرد إذا لم يبني في نفسه الأخلاق الحميدة لا يمكن له يبني مجتمعاً خلوقاً، بالمجتمع الخالي من الأخلاق كالبناء المنخور، لا يمكن لصرحة البقاء، فالتشريع الإسلامي أسس بناء مجتمعه على القيم والأخلاق، ومن ضمنها وأهمها قيمة الوفاء بالعهد.
وقيمة الوفاء بالعهد تجسدت قولاً وفعلاً بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام، فعندما بايعوا سيد الشهداء عليه السلام بايعوه على القتل وتقديم أرواحهم في سبيل نهجه، وفعلاً قد كلفهم وفائهم للإمام الحسين عليه السلام أرواحهم ودمائهم، وذلك لأنهم بصرو ا طريق الحق وما همهم إن وقعوا على الموت أو وقع الموت عليهم.
أما الذين فروا ليلة عاشوراء فهم إما جاءوا طمعاً بالفتح المادي والغنائم وربما السلطة، وإما دفعتهم الحماسة الفارغة إلى الالتحاق بسيد الشهداء عليه السلام، وكلا الفرقين عندما جد الجد وعلموا أن من سيبقى مع الإمام الحسين عليه السلام سيقتل لا محاله فروا، والسبب أنهم فقدوا البصيرة بأن الفتح العظيم هو تحقيق أهداف النهضة الحسينية وثمن هذا الفتح سيكون بدمائهم، والغنيمة هي الفوز بالجنة.
بل إن أصحاب الإمام الحسين عليه السلام تجازوا حد الوفاء بالعهد لأعلى الدرجات ووصلوا إلى درجة العشق لسيد الشهداء وعشق الشهادة في سبيله، فهذا عابس بن أبي شبيب صاحب المقولة الشهيرة: “حب الحسين أجنني” خرج إلى ساحة المعركة بلا درع، كان قبل ذلك قد قال للإمام الحسين عليه السلام:
(يا أبا عبد الله – أما والله – ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بي أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله، أشهد أني على هداك وهدى أبيك).
مواضيع مشابهة
أحاديث في الوفاء بما جعل لله على نفسه