قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

متى جمع القرآن الكريم؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾

سبب نزول الآية ودلالتها:

روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا نزل عليه الوحي يُحرّك لسانه تعجيلًا، حرصًا على حفظ القرآن وضبط ألفاظه، خشية أن يفوته شيء منه، فنزلت الآية تطمئنه بأن جمع القرآن وضبطه وتثبيته مسؤولية إلهية، لا موضع فيها للقلق أو النسيان.

 

وهذا التعدد والتضارب في زمن الجمع، وطريقته، والقائم به، يُضعف هذه الروايات ويكشف اضطرابها، إذ لا يُعقل أن يكون كتابٌ هو أساس الدين موضع هذا القدر من الاختلاف في أهم مراحله.

 

الأدلة على جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وآله:

في مقابل تلك الروايات المتعارضة، وردت نصوص صريحة ومتضافرة تدل على أن القرآن كان مجموعًا ومقروءًا كاملًا في حياة النبي صلى الله عليه وآله، ومن ذلك:

أولًا: العرضة الأخيرة مع جبرائيل

روى ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعارض القرآن كل سنة مرة مع جبرائيل، فلما كان العام الذي قُبض فيه عارضه مرتين).

وهذه العرضة الأخيرة لا تكون إلا على قرآنٍ مجموع، مرتب السور والآيات، لا على أوراق متناثرة.

 

ثانيًا: رواية أبي هريرة

قال: (كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله القرآن كل عام مرة، فعرضه عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه).

وهو تأكيد آخر على اكتمال القرآن نصًا وترتيبًا في حياة النبي صلى الله عليه وآله.

 

حديث الثقلين ودلالته الحاسمة:

ورد حديث الثقلين بالتواتر عند الفريقين، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وآله:

(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

 

وهنا تبرز دلالة بالغة الأهمية:

النبي صلى الله عليه وآله عبّر عن القرآن بلفظ (كتاب الله)، والكتاب في لغة العرب لا يُطلق على آيات متفرقة على جلد أو عسب أو رقاع، بل يُطلق على مجموع مدوَّن محفوظ بين دفّتين، فلو لم يكن القرآن مجموعًا فعليًا، لما صحّ هذا التعبير النبوي الدقيق.

 

الجمع الإلهي والجمع البشري:

عندما يقول القرآن: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾

فالمقصود: جمعه في صدر النبي صلى الله عليه وآله، وترتيبه وتثبيته وضبطه نصًا ومعنى.

أما ما جرى بعد ذلك من نسخٍ أو توحيد مصاحف أو تعليم قراءات، فهو عمل إداري توثيقي، لا جمع تأسيسي للنص.

 

وفي الختام:

يتضح من مجموع الآيات والروايات والعقل التاريخي: أن القرآن الكريم كان مجموعًا كاملًا في عهد النبي صلى الله عليه وآله، وأن القول بتأخر جمعه إلى ما بعد وفاته يفتح باب الشك، وهو باب سدّه القرآن بنفسه.

وأن حفظ القرآن لم يكن معجزة لفظية فقط، بل نظامًا إلهيًا متكاملًا في الجمع والترتيب والحفظ.

فالقرآن الذي بين أيدينا اليوم هو ذاته الذي تلاه النبي صلى الله عليه وآله على الأمة، كتابًا كاملًا، محفوظًا، لا انفصام فيه بين الوحي والحفظ.

 

مواضيع مشابهة

ليتفقهوا في الدين-240- آداب قراءة القرآن

كيف أرفع التثاقل من قراءة القرآن؟!..