ومن عنده علم الكتاب – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)
نزلت هذه الآية في يهود المدينة، إذ أنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وآله أن يأتي بمعجزة غير القرآن، وهدفهم من هذا الطلب هو الاستخفاف بالقرآن الكريم، حيث أنهم شعروا بخطر القرآن الكريم عليهم كمعجزة خالدة، فاليهود في المدينة كانوا هم المرجع الثقافي للعرب، لأنهم كانوا هم وحدهم أصحاب كتاب سماوي فكان كل من يريد الاستفسار عن أمر يرجع إليهم.
والطلب الثاني أن يعود إلى القبلة الأولى إلى بيت المقدس والمكان الذي بني عليه هيكل سليمان، وطلب آخر أن يترك مجالاً للمسألة الحدود كحد الزنا والسرقة وغير ذلك حتى يتمكنوا من التلاعب بالنصوص بحيث لا يقام الحد على الشريف منهم، فكان رد النبي عليهم بأن أمر التشريع ليس بيده بل هو بيد الله تعالى، وأن النصوص القرآنية والأحكام إنما هي من عند الله تعالى، ولذلك افتروا على النبي صلى الله عليه وآله بدعوة أنه ليس برسول.
والشهادة في الآية أتت بمعنى المعجزة، والمعجزة تكون على شكلين: الأول المعجزة اللفظية وهي القرآن الكريم، والمعجزة العملية وهي الأمور الخارقة للعادة وهذه سلح الله بها جميع الأنبياء ومنهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وقد ظهر من معجزاته الكثير لا وسع لذكرها جميعا.
ولكن ما ظهر من معجزاته إخباره بعد شهادة حنظلة بأن الملائكة تغسله، حيث لما حضر القتال نظر حنظلة إلى أبي سفيان على فرس يجول بين العسكرين، فحمل عليه فضرب عرقوب فرسه فاكتسعت الفرس وسقط أبو سفيان إلى الأرض وصاح: يا معشر قريش، أنا أبو سفيان وهذا حنظلة يريد قتلي! وعدا أبو سفيان، وحنظلة في طلبه، فعرض له رجل من المشركين فطعنه، فمشى حنظلة مع طعنته إلى طاعنه فضربه فقتله،
وسقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام (أبي جابر) وجماعة من الأنصار، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت الملائكة يغسلون حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن من صحائف من ذهب! فتعجب النبي من تغسيل الملائكة لحنظلة لأن الشهيد لا يغسل فلما سأل أهله عن حاله، فقالت للنبي إنه خرج لمّا سمع منادي النبي يدعو للخروج للجهاد خرج وهو جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك: غسلته الملائكة.
وأما من عنده علم الكتاب فقد روي عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قول الله جل ثناؤه: (قال الذي عنده علم من الكتاب) قال ذاك وصي أخي سليمان بن داود، فقلت له: يا رسول الله فقول الله عز وجل: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال ذاك أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.