الإنسانية في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
إن الله تعالى بما أنه خالق قادر مختار يقدر أن يخلق خلقه بالطريقة التي يريد، فقد يخلق خلقاً من ذكر وأنثى وقد يخلق من أنثى بدون ذكر أو من ذكر بدون أنثى أو من غير ذكر وأنثى، فهو سبحانه (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ولكن ذكر في الآية ما هو الغالب من إخراجه للخلق وجعل قانون الزوجية هو القانون الغالب في خلق الخلق.
ولكن الله تعالى يعلم النزعة الموجودة عند البشر، وهي أن كل إنسان يميل إلى التميز، وهذه النزعة أحياناً تشتد عن بعض البشر فتجعله يرى نفسه أو عرقه أفضل من بقية البشر، ونشأة هذه النزعة هو حب الذات، فالإنسان إذا شعر أنه أفضل من بقية البشر ينتفي الغرض من خلق الإنسانية، والهدف من خلق الإنسانية هو أن يتعايش الإنسان مع أخيه الإنسان بمحبة ومودة.
بينما الحيوانية قائمة على الغريزة وحب الذات، أصبحت الإنسانية قائمة على الأخلاق وعلى المثاليات وحب الآخرين، وبهذا تميز الإنسان عن الحيوان، فالإنسان يتعامل مع الآخرين من منطلق أخلاق، فالباذل ماله في سبيل الله ماذا يتنظر من منفعة دنيوية، والمضحي بروحه لأجل حماية أرواح الآخرين، هل دفعه لذلك غير الإيثار الذي أمرنا الله به؟ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
فشعور كل إنسان بأنه أخو الإنسان يترتب عليه معنى الإخاء الإنساني على أرض الواقع، وبالتالي لا تجد إنسان محروم من حقه في الحياة الكريمة وستجد أن فرص الحياة متكأفئة بين جميع البشر، من حقه بالتعلم والطعام والشراب والسكن.
وأول من جسد هذا المعنى هو النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عندما آخى بين المهاجرين والأنصار في أول سنة من الهجرة، فلم يجعل المتآخين شركاء في الأموال والمسكن فحسب، بل كأن يآخي بين رجل شريف في قومه مع آخر من عوام الناس، ليشعر كل منهما أنه لا تمايز بينهما إلا بالتقوى.
فقدكان رسول الله صلى الله عليه وآله كما روى ابن عباس يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض ويعتقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك. وعن أبي ذر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو، حتى يسأل.