دخول الملائكة على أصحاب الجنة – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)
إن دخول الملائكة على أصحاب الجنة أمر أشارت إليه الآية الكريمة، وقد اختلف المفسرون في تفسيرها، فذهب جماعة إلى أن دخول الملائكة على أصحاب الجنة من كل باب تعني دخولهم على مساكنهم التي يسكنونها في الجنة، وأن لكل مؤمن في الجنة منزل في الجنة له سبعون ألف باب، وكل غرفها لها كذا من الأبواب.
ومن يقرأ مثل هذه التفاسير يعرف مدى بعد مثل هذه المقالة عن الحقيقة، فهي من تكهنات المفسرين التي لم يدل الدليل عليها.
أما الوجه الثاني من دخول الملائكة على أصحاب الجنة من كل باب فهو دخول كل رعيل من الملائكة عليهم من باب معين، فرعيل يدخل عليهم من باب الصلاة ثوابا لما قدموه من صلاة، وآخر يدخل عليه من باب الصيام وآخر من باب الزكاة وهكذا دواليك.
وهذا الوجه لعله أقرب من سابقه إلى الأذهان وأكثر واقعية.
أما بالنسبة للسلام المذكور في الآية الكريمة فالمقصود به سلام الملائكة على المؤمنين من أصحاب الجنة، وهذا ينبهك إلى مدى عظمة وأهمية السلام لدرجة أن التحية التي يخاطب بها المؤمنون في الجنة هي السلام الذي كانوا يلقونه على بعضهم بعضا في الحياة الدنيا.
والسلام هو في الحقيقة نوع من الدعاء، فهو دعاء للآخر بأن يسلمه الله من كل سوء ومكروه وكدر.
والسلام مستحب في نفسه، ورده واجب أيضًا حتى في الصلاة بشروط، ولكن إلقاء السلام وإفشاءه فيه تفصيل، فإلقاء السلام مستحب على عموم الناس، لكنه مثلا غير محبذ على المرأة الشابة التي يخشى من وراء إلقاء السلام عليها الوقوع في الفتنة والريبة.
كما أن جماعة من فقهاء المسلمين أفتى بعدم جواز إفشاء السلام على الكفار من غير أهل الذمة، وأفتى بجواز إفشاء السلام على أهل الذمة وحرمة إفشائه على أهل الأهواء والبدع ولو كانوا من المسلمين، ولعمري لا أعلم من أين جيء بهذه الفتوى التي لا أصل لها، ولا تنم إلا عن هوى وابتداع في الدين.