تبعات الجهل والأمية على المجتمع – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)
إن الآية الكريمة تتحدث عن اليهود وتصفهم بالأمية، والأمي لغة هو الإنسان الذي لا علم له ولا معرفة كحال الطفل الذي يخرج من بطن أمه (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا).
فالأمية حسب هذا التعريف لا تقتصر على الأمي الأبجدي -أي الذي لا يجيد القراءة والكتابة- بل تنطبق أيضاً على من الأمي بالمعنى الحضاري، أي أنه يقرأ ويكتب لكن يفتقد للوعي والبصيرة والقراءة الموضوعية لما حوله ويفتقد إلى مقومات بناء الحضارة، ولذا حرض القرآن الكريم على العلم والاطلاع على العلوم وبالأخص منبع العلوم وهو نفس القرآن حيث قال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
فالمفسرون منهم من ذهب إلى أن الآية تنسب الأمية لليهود بمعناها الأبجدي، ومنهم من ذهب لمعناها الحضاري، وهذا المعنى الأخير ينتطبق حال الأمة الإسلامية في عصرنا الحالي، بعد أن كانت عيون العالم تتجه لحضارة الإسلام.
فالأمية بكلا المعنيين إذا أصاب أحدهما أمة ما تحجب نفسها عن الدنيا، فالبشر عندما تعلموا الحرف سارت عجلة تطورهم بشكل رهيب، لأنه عن طريق الكتابة استطاع الناس نقل العلوم وتعلمها، فالأمي أكثر شقاءً من الأعمى، لأن الأعمى لا يبصر النور بعينيه والأمي لا يبصر نور العلم يقلبه وعقله.
وإن العلم قوة للإنسان، ويجعل له نافدة على الدنيا، بل إن العلم نافذة للإنسان على الآخرة، فبالعلم يعرف الإنسان ربه، ويعرف تعاليم دينه وماذا يريد ربه منه، أما الجاهل بدينه فإنه يسير بغير هدى، ويظن في نفسه أنه يتقرب وهو بسبب جهله يزداد منه بعداً.
فعن الإمام علي عليه السلام أنه قال: إن العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح إلا بعدا من حاجته، والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع. و عنه عليه السلام عليه السلام أنه قال: لا خير في العمل إلا مع العلم