ماذا بعد الموت؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا…)
إن الإنسان عندما يفقد الإيمان بالبعث تصبح الدنيا جحيم في عينيه، فطبيعة الحياة الدنيا أن بها تعب ونصب والمتاع واللذة فيها قليلة، بل إذا وضعت لذاتها في كفة والمتاعب في كفة أخرى تكاد الأولى أن تصبح معدومة، ونهاية الحياة الدنيا في الموت وتصبح جثة هذا الإنسان غذاء لديدان الأرض.
ولكن الإنسان الذي يؤمن بالبعث، وأن ما وراء هذه الحياة الدنيا حياة أبدية، وأن فيها عقاب للظالم وعدل للمظلوم وجزاء للمحسن، تتغير نظرته إلى هذا الحياة لتبعث فيه روح التفاؤل، ولذا نزلت هذه الآية لتجيب على هذا التساؤل الذي يطرحه كل إنسان على غيره وعلى نفسه، ألا وهو: هل بعد الموت حياة؟ وماذا بعد الموت؟
فبدـ قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ)، وهنا أراد الله أن يذكر الإنسان أن منشأه من التراب، ومنكري البعث يستصعبون عودة الإنسان إلى الحياة بعد التحلل وعودته إلى التراب.
فالله الذي أخرج الخلق من التراب هل يعجز أن يعيدهم من التراب؟ والحال أن إعادة الخلق أسهل من الابتداء به، فقد قال تعالى مبيناً رده المفحم على هؤلاء: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
وإن حكمة الله تعالى في خلق الإنسان من التراب عدة أمور منها: أنه سيعيش على هذه الأرض التي خلق منها فهي الأم الأولى للبشر، والإنسان يحن إلى هذا التراب الذي وجد فيه وخلق منه وهذا التراب هو من سيضم جسده عندما يتنفر أقرب الناس لهذا الإنسان من رائحته بعد الموت.
والحكمة الأخرى من خلق الإنسان من التراب أن الله يعلم بطبيعة التكبر عند الإنسان، ولذا خلقه مما هو مداس للأقدام، وأنه حتى بعد الموت وتحلل بدنه إلى التراب سيعود ليصبع أيضا مداساً للأقدام.