عوامل هلاك المجتمع – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
إن القرى المقصودة في الآية الكريمة تأتي بمعنى المنطقة، فهي تنطبق على الدول والمدن وكذلك على المعنى الحقيقي للقرى وكل ما ينطوي تحت عنوان “مجتمع بشري”، والمعنى الكلي لهذه الآية أن الله تعالى لا يمكن أن يبتلى مجتمع بشري بالظلم طالما فيه أناس وظيفتهم الإصلاح في المجتمع.
والإصلاح يأتي على المستوى الديني أو الأخلاقي أو التربوي أو الاجتماعي وغير ذلك، ولذا الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يرفع ظلم عن شعب أو يحمي شعباً من الظلم، إذا كان هذا الشعب هو من مهد للظالم أو لم يوجد في هذا الشعب مصلحين يقطعون الطريق على الظالم في التسلط على رقاب الناس.
ولولا ثلة من المتملقين الذين يفضلون مصالحهم الشخصية على مصلحة الأمة لما سلط ظالم على أمة، وثل هؤلاء المتملقين شخص كان يدعى يزيد بن المقنع، حيص كان في مجلس معاوية عندما أراد أخذ البيعة لابنه يزيد حيث قال: أمير المؤمنين هذا -وأشار إلى معاوية- فإن هلك فهذا -وأشار إلى يزيد- فمن أبي فهذا -وأشار إلى سيفه-، فقال معاوية: اجلس فإنك سيد الخطباء.
ولذا نجد في كل زمان ومكان من يشتكي من الظلم ومن الظالم، والبعض يتجرأ على الله تعالى ويتهمه بأنه تعالى هو من سلط الظالمين على أهل مجتمعه والحال أن الله لا يظلم أحد وأن (اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)
فمن مهد للمقدمات عليه أن ينتظر النتائج، فالشوك لا ينتج إلا الشوك والعنب لا ينتج إلا العنب، ومن يزرع الشوك لا يحصد به عنبا، والله تعالى ربط الأسباب بالنتائج، والله تعالى كان قد حذرنا من الظالمين ومن الركون إليهم فقال تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)، فلا تتنظر من الركون إلى الظالمين إلا وقوع الظلم على المجتمع بأسرة وبالتالي وقوعه حتى على من ركن إلى الظالم.
وحتى على مستوى تربية الفرد والمجتمع، فالكثير يشتكي من فساد الزمان، والحال أن الزمان هو الزمان لم يتغير فيه شيء، ولكن المجتمع لم يختر لنفسه ولأولاده المربي الصالح حتى ينتج عنه فرد صالح ومجتمع صالح.