التوكل على الله – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 58]
معنى التوكل على الله
التوكل على الله هو الركيزة الروحية التي تربط قلب الإنسان بربه، ومعناه أن يبذل الإنسان ما في وسعه من العمل المشروع، ثم يُسلم النتائج إلى الله تعالى بعين الرضا واليقين بأنه لا يقع في الكون شيء إلا بإرادته.
التوكل ليس إهمالاً ولا تواكلاً
هناك خلط شائع بين التوكل والتواكل، وقد فند الشيخ الوائلي (رحمه الله) هذا الخلط بأسلوب عقلاني وروحي، فأوضح أن:
التوكل: أن تأخذ بالأسباب وتؤدي ما عليك من سعي وعمل، ثم تعتمد بقلبك على الله في النتيجة، راضيًا بقضائه وقدره.
التواكل: هو ترك الأسباب والادعاء بأن الله هو الرزاق دون سعي، وهذا من الجهل بالدين، بل هو تواكل مذموم لا علاقة له بالتوكل الحقيقي.
مثال عملي:
إذا كنت مريضًا، فالتوكل هو أن تراجع الطبيب وتتناول الدواء، لكن تتوكل على الله في الشفاء. أما أن ترفض العلاج وتقول “أنا متوكل”، فهذا خلط بين التوكل والتواكل.
التوكل في سيرة الأنبياء والأئمة
لم يكن هناك نبي أو إمام إلا وكان يسعى ويعمل ويكد في سبيل رزقه ورزق من يعول، فالنبي محمد صلى الله عليه وآله كان راعيًا وتاجرًا، والإمام علي عليه السلام كان يحتطب ويزرع ويحفر الآبار، وكان يقول:
“ملعون من ألقى كلّه على الناس”.
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: “الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله”
هذه الرواية تبين أن العمل والسعي في تحصيل الرزق عبادة عظيمة الشأن.
لماذا أمرنا الله بالتوكل عليه؟
في الآية الكريمة، قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾
لأن البشر قد يخونون، وقد يموتون، وقد يُقصّرون في أداء ما وُكّل إليهم، أما الله تعالى، فهو حي لا يموت، عليم لا ينسى، رحيم لا يغفل، وقادر لا يُعجزه شيء.
فإذا وكلت أمورك إلى الله، فأنت قد وكلتها إلى أرحم الراحمين، وأعدل الحاكمين، وأقدر القادرين.
فضل التوكل في القرآن والسنة
قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3]
أي: الله يكفيه، ولا يحتاج إلى سواه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصاً وتروح بطاناً”
أي: تخرج في طلب الرزق جائعة، وترجع شبعانة.
التسبيح بعد التوكل: الرابط الإيماني
ختمت الآية الكريمة بـ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾
أي: لا تكتفِ بالتوكل العملي فقط، بل رافقه بالتسبيح والتنزيه لله، حتى تتطهر نفسك من شوائب التعلق بغير الله.
فالتسبيح يعني: تنزيه الله عن النقص، الإقرار بكماله المطلق، واعتراف العبد بأن الرزق والنفع والضر بيد الله وحده.
خلاصة الكلام:
التوكل هو الاعتماد على الله بعد بذل الجهد
التواكل مذموم ومخالف لسنة الأنبياء
العمل والسعي عبادة
الله هو الوكيل الأكمل لأنه حي لا يموت ولا ينسى عبده
التسبيح والتنزيه يقوّي روح التوكل ويغذي التوحيد