العقل الإنساني محدود – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون)
استفهمت الآية الكريمة استفهامًا إنكاريًا، فهؤلاء الذين يبحثون عن قنوات للعقيدة غير قنوات السماء واهمون ومخطئون تماما، ولا يريد القرآن الكريم هنا الاستهانة بالعقل الإنساني، فالله عز وجل كرم العقل الإنساني وجعل العقل الإنساني مناط التكليف، فالله تعالى عندما يكلف أحدا يكلفه لأنه عاقل، ولذلك فإن الكائنات الأخرى غير مكلفة.
هذا تكريم واضح للعقل الإنساني، فالعقل يحمل قابلية الاستيعاب والفهم ولذلك يكلفه الله.
ليس معنى ذلك أن السماء تريد الحط من قيمة العقل الإنساني، والحال إن العقل له قيمته، ولكن وجه الاستغراب هو أن قابليات الإنسان بأجمعها محدودة، والإنسان رشحة من فيض الله ومما خلق عز وجل، فليس من المعقول أن نترك الخالق ونذهب إلى المخلوق المحدود.
إذن فإن وجه الاستنكار أن الإنسان كائن محدود، والله هو من خلقه، فنحن نترك الخالق المبدع الجبار ونتبع المخلوق المحدود؟
ومن ناحية أخرى فأنت عندما تريد أن تلجأ إلى القنوات الإنسانية هناك أسئلة لا تملك الإجابة عنها. أولًا: أعطني شريعة من الشرائع استطاعت البشرية أن ترتاح في ظلها عبر كل مسيرة التاريخ الإنساني منذ أن خلق الله الإنسان إلى الآن، فإنك تلاحظ أن أي شريعة فيها مواضع للنقد والتضجر والشكوى، وفي الغالب فإن البشرية تشتكي دوما من ظلم الشرائع التي مرت بها.
ثم إن هذه الشرائع ما استطاعت أن تقدم أجوبة حول المشاكل الإنسانية، لأن الشرائع دنيوية، وهناك أشياء لا علاقة لها بالدنيا بل بالآخرة، وإلى الآن لا تجيب عنها أي شريعة سوى شرائع السماء، فمثلا: قد يسأل أحدهم: من أين أتيت ومن أين مبدئي وإلى أين أنا ذاهب وما هي نهايتي بعد القبر؟
هذه أمور ما وراء الطبيعة، ولا تستطيع أي شريعة أن تجيب عنها، وحده الدين هو الذي يجيب عن طريق المحاكمة العقلية وأحيانا بما فوق العقل، يريد أن يقول لك بأن عقلك محدود.