نظرية البداء – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا)
سياق الآية ظاهره يوهم بأن الآية تشير إلى الله عز وجل، فالله عز وجل عندما أرسل الرسل أرسلهم ليعلم أنهم قد أبلغوا الرسالات وأدوها.
يقول الفخر الرازي وهو من أكبر مفسري القوم بأن هذه الآية هي من الأدلة التي يتمسك بها أولئك الذين يقولون بأن علم الله عز وجل يستحدث، ويقول أصحاب هذه النظرية هو أنه كما أن الإنسان لا يعلم بالأشياء إلا عند وقوعها وليس قبل أن تقع، فإن علم الله هو كذلك.
ويحمل الفخر الرازي على أصحاب هذه النظرية حملة شعواء وله كل الحق في ذلك، لأن هذا اعتقاد لا يعتقد به مسلم، فمن يعتقد بأن علم الله حادث ولا يعلم بالأشياء قبل وقوعها فهو كافر، لأنه ينكر علم الله وينفيه عنه ويعتبر أن علمه حادث، وهذا مما لم يقل به أحد من المسلمين إلا فئة قليلة تعتبر ضالة.
وهنا تلوح في الأفق نظرية أخرى هي نظرية البداء، حيث يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، فنحن نقول بأن الله قدر لفلان أن يحصل على دينارين يوميا، ثم يبدو لله أن يزيد في رزقه فيزيد، أو أن الله قدر لفلان عمرا قدره خمسون سنة، فيبدو لله أن يجعل عمره ثمانين سنة.
ويدور النقاش هنا في أنه هل كان الله يعلم من البداية بما سيبدو له وأنه سيزيد في عمر فلان أو رزقه أم لم يكن يعلم من البداية؟
والجواب هو أنه بالطبع يعلم تمام العلم بذلك، والبداء عندنا هو بمعنى الإظهار، بمعنى أنه في علم الله كان يعلم بأن فلانا الذي قدر له ستون عاما سيزداد عمره إلى ثمانين، وفي علمه أنه من كان يحصل على دينارين سيحصل على أكثر من ذلك من البداية، لكن الله لم يظهر ذلك إلا في وقته لحكمة ومصلحة.
مثال هذه المصلحة هي أن فلانا قد يكون فاعل خير ويساعد الضعفاء والمحتاجين أو المؤسسات الخيرية أو يصل رحمه أو يقوم بأعمال تنفع وطنه ومجتمعه، فيبدو لله أن يكافئه على هذه فيظهر له ذلك، رغم أن هذا البداء موجود في علم الله منذ البداية بلا كلام، فالله يعلم من البداية بأن فلانا هذا سيفعل هذا الشيء، وبعد أن يفعل هذا الشيء سيظهر له بأنه زاد في عمره أو في رزقه وما شابه ذلك.
مواضيع مشابهة
مخالب الفتن – 11 – علامات الظهور