قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

الصد عن المسجد الحرام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾

لا يخفى على المتأمّل العميق ما للكعبة من منزلة خاصة في نفوس المسلمين، ولاسيما عند أهل البيت عليهم السلام الذين وردت عنهم آلاف الروايات في تعظيمها والمحافظة على حرمتها. فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: (الكعبة بيت الله الحرام، إذا لعن فيها أهلها هلكوا… ومن زيّرها لعنته الملائكة حتى يزول عنه سوءه( الكافي، الكليني، ج 5، ص 436

وفي رواية أخرى: (صلاة في المسجد الحرام خيرٌ من مئة ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي( بحار الأنوار، مجلس الحج، ج 95، ص 64

هذه الروايات وغيرها تبيّن عظمة هذا البيت الذي اختاره الله قبلةً للمؤمنين، ومركزًا لوحدة الأمة، وعنوانًا للتضامن الإسلامي.

أسباب نزول الآية

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ…﴾

ورد في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي (ج 14، ص 366) عن سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه، حين منعوا النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه عام الحديبية من أداء العمرة والطواف بالبيت الحرام، بل وصدّوا المؤمنين عن سبيل الله إلى مكة. يومذاك كانت السياسة الأموية ترفض توسع نفوذ الإسلام، فاختار الله عز وجل أن يذكّرهم بقداسة بيت الله، وأن من يصدّ عن دخول المؤمنين إليه عقوبته شديدة.

 

شرح الآية ومعاني مفرداتها

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ…﴾

الكفار هنا: ليس المراد بالضرورة من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وآله فقط، بل كلّ مَن يمنع توجيه البشر إلى عبادة الله، بمنع الدعوة والتعليم.

 

الصدّ عن سبيل الله:

المنع من العمل بشرع الله، وإعاقة الناس عن الالتزام به.

﴿…وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ…﴾ المسجد الحرام: هو الكعبة وما حولها من أرض مكة التي حرم الله القتال فيها، وجعلها مأوى للحجاج والمعتمرين.

﴿…الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ العاكف…﴾ : من أقام في مكة، سواء للعبادة أو للإقامة الدائمة، والباد: القاصد لزيارة البيت من خارجها، أي الحاج والمعتمر.

الآية تؤكد المساواة التامة بين المقيم والقادم في حقوق أداء الشعائر.

﴿…وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ الإلحاد: الميل عن الاستقامة، وهو الغلو في التعظيم أو الانحراف عن الحق، والظلم: مخالفة شرع الله، وفي الحرم أشدّ تحريمًا.

﴿…نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾: وعدٌ بتنزيل عذابٍ شديدٍ. وقد ربط تعالى بين جريمة المنع من مسجد الله وبين الجزاء الشديد، دلالةً على عظم مكانته.

 

دروس وعبر مستفادة

قداسة الكعبة لا مكان للمساومة عليها: أي محاولة للاستفراد بها أو استغلالها سياسياً، لأن من يصدر عن بيت الله ظلمًا عقوبته أليم.

المساواة في حق العبادة: لا تمييز بين غني وفقير، مقيم وزائر، في أداء مناسك البيت الحرام.

تأصيل الحرمة الشرعية: المنع من أداء فروض الله في بيته ظلمٌ عظيم يستوجب العذاب المبين.

واجب نصرة بيت الله: فإن الصدّ عن سبيل الله بدأ بمنع دخول الحرمين، والاعتداء على شعائر الإسلام.

 

في الختام:

إن هذه الآية ليست مجرد سجلّ لحدثٍ تاريخي، بل تحذيرٌ لكل من يظنّ أن للمكان منزلة فوق كونه بيت ربّ العالمين، ولا سلطان لمن يصدّ الناس عن ضيافة خالقهم. فتحصّنوا بكتاب الله، واحفظوا حرمة بيته، فإن في ذلك نجاة وطمأنينة للأمم.

مواضيع مشابهة

قضايا وهموم – 101 – فلسفة الحج في الإسلام

أحاديث في من نذر شيئاً للكعبة أو أوصى به