حد شهادة الزور – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما)
يقسم المفسرون مواضيع القرآن الكريم إلى أصناف، وتعتبر هذه الآية الكريمة من الفقه الأخلاقي، وإن كان القرآن الكريم لا يمكن أن يفترق فيه الحكم عن الأخلاق، فلا يمكن أن تجد آية يبتعد فيها الحكم الشرعي عن الأخلاق، ولكن هناك آيات تتمحض للأخلاق، بمعنى أنها مختصة بالموضوع الأخلاقي.
ونلاحظ أن هذه الآية الكريمة بدأت بقول (والذين لا يشهدون الزور)، وكلمة (شهد) هنا تأتي بمعنيين، وهي من الألفاظ المشتركة، فتأتي تارة بمعنى حضر وأخرى بمعنى أيد المدعي، فهي تأتي في الشهود والشهادة.
ولذلك ينقسم المفسرين في تفسيرها إلى قسمين: قسم يقول إن معنى الآية يرجع إلى الشهادة وهي دعم المدعي، وآخر يرجعها إلى الشهود.
إن مسألة شهادة الزور تعتبر من أخطر المسائل، لأن الشهادة يتوقف عليها إثبات الحق ودفع الباطل، ويتوقف عليها نظام المجتمع، ونظام المجتمع يعني الأمة التي بها عيون ساهرة تراقب وتدين الجريمة وتشهد على وقوع الجريمة حتى تقضي عليها، والأمة من هذا النوع يستتب بها النظام.
ما يحدث اليوم هو أن الناس يتنصلون من مسؤوليتهم، فترى أحدهم يرى الجريمة بأم عينه وكأنه لم ير شيئا، وإن رأى فهو لا يريد توريط نفسه في الشهادة على الحادثة لأنه يعتبر بأن لذلك عواقب سيئة تجعله في عداوة مع مرتكب الجريمة، وهو يعتقد أنه في غنى عن ذلك.
وهناك قسم يتجاوز ذلك فيقلب الحق باطلا والباطل حقا، فيشهد شهادة زور.
إن شهادة الزور جريمة بحد ذاتها، ولكنها جريمة لم تحدد عقوبة محددة لها، فنحن لدينا نوعان من الجرائم، نوع يسميها الفقهاء حدودا، أي إن لها حدا شرعيا ذكره القرآن والسنة، فالزاني له حد معين إن كان محصنا فيرجم، وإن لم يكن محصنا يجلد، وهكذا بالنسبة للقاتل الذي يقتل، وشارب الخمر الذي يجلد بالسوط.
أما بالنسبة إلى شهادة الزور فليس لها حد شرعي معروف، ولذلك بحث الفقهاء مسألة الحد الشرعي لشهادة الزور وشاهد الزور في مختلف القضايا الجنائية.
