مكانة المرأة في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا)
كان المشركون في مكة قبل الإسلام يعتقدون بجملة من الخرافات التي لو تضحك الثكلى، ومن جملة تلك المعتقدات أنهم كانوا يسمون آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله بأسماء الإناث، كاللات والعزى ومنات، وكلها أسماء لإناث.
ولذلك جاء القرآن لينبههم ويقول لهم وفقا لمنطقهم بأنهم يتركون عبادة الخالق الواحد الأحد ويعكفون على عبادة أصنام لهم لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، مصنوعة من الخشب أو الحجارة أو حتى الطعام. إن الله ينبههم إلى مدى سخف عقيدتهم بعبادتهم للأصنام وقلة عقلهم.
ويشنع بعضهم على أتباع أهل البيت عليهم السلام على سجودهم على التراب أو الحجارة، ويشترطون السجود على كل ما لا يؤكل ولا يلبس، أما ما يؤكل ويلبس فلا يجوز السجود عليه، وهذا هو مذهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته المباركة كما دلت الروايات المستفيضة من كتب القوم، فلماذا التشنيع إذن ونحن مستنون بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله؟!
ورأى فريق آخر من المفسرين أن المقصود بهذه الآية هو أن جماعة من المشركين كانوا يدعون أن لله بناتًا هن الملائكة، فقاموا من جهة بتأنيث الملائكة واعتبارهم إناثا دون دليل، ونسبوا الملائكة إلى الله فجعلوهن بناته، وكل ذلك دون دليل، وقد هزأ القرآن بهم في أكثر من موضع على ضحالة تفكيرهم واعتقاداتهم.
أما الرأي الثالث فهو يرجع الأمر إلى اعتقاد جل العرب وقبائلهم في الجاهلية بدنو مرتبة الأنثى واحتقارهم لمكانة المرأة بالنسبة إلى الرجل، فجعلوا مكانة المرأة أدنى من الرجل، بل وذهبوا أبعد من ذلك فاعتبروا أن الأنثى بشكل عام هي الصنف الأخس والأدنى من كل مخلوق سواء كان بشرا أم حيوانا أم نباتا.
ومن المهم لدى أي مفسر أو مؤرخ أو متتبع لأمة ما أن يكون ملما بتاريخها وحضارتها وعاداتها وتقاليدها، ومن هذه التقاليد التي كانت لدى عرب الجاهلية أنهم كانوا يعتمدون في إنجاز أعمالهم على حركة الطيور، فلو تحركت الطيور إلى جهة اليمين تفاءل بها، ولم طارت جهة الشمال تشاءم منها وأوقف أعماله كلها بناء على ذلك التشاؤم، فجاء الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وآله القائل (دعوا الطيور في أوكانها) الذي حار في تفسيره قسم كبير من المفسرين وأهل الحديث، لكن الشافعي الذي كان ملما بحضارة العرب وتاريخهم أدرك هذه الحقيقة وهذه القصة التي كانت وراء ذلك الحديث النبوي، فقد كان النبي يدعوهم لترك هذه الخرافات وإنجاز أعمالهم دون اعتبار مثل تلك الأوهام الباطلة.
ويدعي بعضهم أن القرآن بهذه الآية المباركة قد احتقر مكانة المرأة وجعلها أدنى مرتبة من مكانة الرجل، لكن الحق يقال إن القرآن أراد بذلك التعبير الاستنكار والاستدلال وفق منطق المشركين أنفسهم، وإلا فإن القرآن الكريم شاهد في عديد من المواضع على المساواة بين الجنسين وتحقيق العدالة بينهما، ولم يجعل مكانة المرأة يوما أدنى من مرتبة الرجل.
وتنقسم الشعوب على مر التاريخ إلى ثلاثة أقسام فيما يتعلق برأيها حول مكانة المرأة، ويشمل ذلك شعوب الشرق والغرب وجميع شعوب الأرض.
القسم الأول أعطى المرأة مكانة أعلى من مكانة الرجل، وادعى بعضهم أن تعابير مثل أم القرى وأم الكتاب أو أم أبيها تكشف عن علو مرتبة الأم عن مرتبة الأب، وأن مكانة الأمومة أفضل وأعلى شأنا من مكانة الأبوة. وينسب بعضهم إلى ابن عباس رأيه في تفسير آية (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى) أنه أوحي إلى موسى تماما كما يوحى إلى الأنبياء، وهذا رأي يخالف المشهور تماما إن صحت نسبته إلى ابن عباس، فجمهور المفسرين والعلماء من الفريقين يعتبر مقام النبوة مشروطا بالذكورة، وكذا مقام الإمامة عند الإمامية.
وهناك رافد معاكس تماما لهذا التيار ينزل بمكانة المرأة بحيث ينزل بها من مستوى الإنسان، ويعتبر أن الأنثى من كل شيء أخس من الذكر، وهذا الرأي هو السائد غالبا لدى أكثر الأمم على مر التاريخ وحتى يومنا هذا، من الإغريق وفلاسفة اليونان إلى الرومان والعرب والفرس وسائر الحضارات المهمة على مر التاريخ.
ويناقش بعض فلاسفة اليونان في مكانة المرأة بحيث يدور الجدل بينهم حول ما إذا كانت المرأة لها روح بشرية أم لا!
وفي الهند كانوا يرون المرأة تابعة للرجل في كل شيء ولا يحق لها التملك، وكل ما تملكه يملكه زوجها أو وليها، بل وكانوا إلى عهد قريب يحرقون الزوجة مع زوجها فيما لو توفي الزوج، وغير ذلك من الممارسات غير الإنسانية بحق المرأة.
وكانت العديد من الحضارات تمنع تعليم المرأة وتعتبره مناقضا لوجودها، لاعتقادهم بأن وجودها شر ولا يجب تعليم هذا الشر لأن لا يتفاقم ويزداد.
أما القسم الثالث فرفع شعار لا إفراط ولا تفريط، وهو رأي القرآن ودين الإسلام، فقد أعطى الإسلام المرأة كل حقوقها ورفع مكانة المرأة فساواها في الإنسانية مع الرجل وألزمها بتكاليف كما ألزم الرجل، ولكنه لم يرفعها فوق مكانة الرجل بحيث يعد إفراطا، لكنه خصص بعض الأحكام والأمور التي تناسب حال المرأة وشأنها وتركيبتها العاطفية والنفسية والروحية، وفيما عدا ذلك فهي متساوية الحقوق والواجبات مع الرجل.
ولاحتقار مكانة المرأة عند العرب أسباب من بينها أنهم كانوا يعتبرونها لا تفيدهم في القتال وأعمال الحرب لعجزها جسديا عن فعل ذلك، كما كانوا لا يورثون المرأة بداعي أنها ستذهب يوما ما إلى بيت زوجها فيخرج المال من بيت أصحابه إلى بيت آخر، ولذلك كانوا يمنعونها الميراث مخالفين بذلك أحكام الإسلام، ولا يزال هذا العرف متبعا إلى يومنا هذا عند بعض الشعوب.