علم لم ينتفع به – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)
أغلب آيات القرآن الكريم تحرص مضامينها على جانب تربوي، فالإنسان بدون تربية أخلاقية تصبح غرائزه هي من تتحكم في تصرفاته، وإذا تحكمت الغرائز في الإنسان تنزله إلى مرتبة الحيوانات.
أما مع وجود التربية الأخلاقية يصبح العقل هو من يحكم الإنسان وغرائزه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
فالآية الكريمة نزلت لتأمر النبي بأن يضرب لأهل قريش مثلاً ذلك الذي آتاه الله العلم ولكن لم ينتفع به، بل استعمل علمه في طريق الشيطان، فمن هو هذا الذي انسلخ من آيات الله واتبع الشيطان وأصبح مثله كمثل الكلب كما وصفه القرآن؟
تردد المفسرون بين اسمين وهما أبو عامر الفاسق وأمية بن أبي صلت ولكن الغرض من الآية أعم من كونها نازلة في أفراد بعينهم بل هي تبين لنا أن الذين لا ينتفعون بعلمهم ستكون عواقبهم وخيمة والعقاب الإلهي سيطالهم بلا ريب.
ولكن من ضرب الله به المثل في هذه الآية الكريمة نزلت في بلعم بن باعورا، وكان من علماء بني إسرائيل، وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: أعطي بلعم بن باعورا الاسم الأعظم، وكان يدعو به فيستجيب له فمال إلى فرعون، فلما مر فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم:
ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا، فركب حمارته ليمر في طلب موسى فامتنعت عليه حمارته، فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت: ويلك على ماذا تضربني؟ أتريد أن أجئ معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين؟ فلم يزل يضربها حتى قتلها، وانسلخ الاسم من لسانه، وهو قوله: ” فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين”.