مكانة المسجد في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي
(إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين)
المسجد في بدء تأريخه اقترن بفعاليات أخرى لا نسميها فعاليات عبادية، فمسجد النبي صلى الله عليه وآله كان به حلقات علمية يتدارسون فيها، بالإضافة إلى وجود جماعة من الصياقل كانوا يضعون النبل ويبرونها، ويقومون بإصلاح السهام وغيرها من الأسلحة.
إلى جانب ذلك كانوا يتدارسون أصول السبق بالخيل والرماية بالسهام، بل كان هناك دكة مخصصة للقضاء، حتى إن بدايات السجن كان بالمسجد، فمن أذنب ذنبا كانوا يربطونه بسارية من سواري المسجد ويتركونه إلى أن تنزل آية ببراءته.
ولذلك أولئك الثلاثة الذين تخلفوا عن الالتحاق برسول الله صلى الله عليه وآله وعاتبهم القرآن جاؤوا وربطوا أنفسهم بسارية من سواري المسجد وهم أبو لبابة ونفران معه، وقالوا إننا لا نفك أنفسنا إلى أن ينزل الوحي بأن يعفو الله عز وجل عنا ويأتي رسول الله صلى الله عليه وآله ليطلق سراحنا.
وفعلًا بقوا حتى نزلت الآية (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله…) بالعفو عنهم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لابنته فاطمة وقد كانت طفلة آنذاك وتأتي إلى المسجد، فقال لها: اذهبي وأطلقي سراح هؤلاء.
ولما جاءت فاطمة اعترض أبو لبابة وقال بأنه يريد أن يفك رسول الله صلى الله عليه وآله بنفسه قيده، فقال له لا عليك، فاطمة بضعة مني وهي تمثلني، وفعلا أطلق سراحهم.
فالمسجد كان في بداياته مكانا للسجن وبري النبل وتصنيع السلاح ودراسة نظريات الحرب وكان به حركة علمية، فما السبب وراء ذلك؟ لم كان الصحابة يقومون بكل تلك الأعمال داخل المسجد؟ هل كان هناك غاية من وراء ذلك أم أنهم لم يكونوا يملكون مكانا غيره لإنجاز مثل تلك الأعمال؟
في الحقيقة يظهر أن مثل هذا الأمر كان مقصودا، فكأن الله كان يريد من المسلمين أن يعرفوا بأن الدين ليس مجرد صلاة وصوم، وأن العبادة ليست مجرد زكاة وخمس، بل إن الدين والعبادة أوسع مفهوما من ذلك بكثير، لتشمل أعمال الحرب والجهاد والعلم وغير ذلك.