ولادة الإمام الحسين عليه السلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)
عندما يقال إن فلانا ابن فلان فهو من صلبه وولد منه على فراشه شرعا، والمقصود بالفراش في الشرع هو العقد الشرعي، فلو عقد رجل على امرأة وأنجبت المرأة ولدا فإن شككنا إن كان ابن ذلك الرجل أم لا نطرد الشك بالقاعدة الشرعية التي تقول الولد للفراش.
إن البنوة الدموية هي البنوة المادية التي ترتبط بالدم واللحم، وهذه تعد أقل مراتب البنوة وأدناها، فانتماء شخص إلى أبيه بدمه ولحمه ليس من الأهمية بمكان، فالآية الكريمة تتحدث عن ابن نوح عليه السلام الذي لم يركب معه السفينة بعد الطوفان وغرق، وقال تعالى في رده على نبيه نوح عليه السلام (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح).
ولا يعني ذلك بتاتا ما ذهب إليه بعض من شطحت به الأفكار وضعف لبه عن إدراك جوهر الآية بأن زوج النبي نوح عليه السلام مطعون في شرفها معاذ الله، فالله نزه أعراض الأنبياء تكريما لهم ولمنزلتهم عنده، ولا يجوز بحال من الأحوال اتهام أي من الأنبياء في أعراضهم، واتهام عرض النبي هو اتهام للنبي ذاته، ولو جاز أن تكون إحداهن عاصية لزوجها وأوامره أو خائنة بمعنى أنها توصل أخباره إلى أعدائه، لكن الاتهام بالفاحشة أمر وهذا أمر آخر.
وهناك من يشنع على أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام بأنهم يتهمون بعضا من أزواج النبي صلى الله عليه وآله بالفاحشة، والحال أنهم لو فتشوا جميع مصادرهم المعتبرة لما وجدوا على ذلك دليلا يثبت حجتهم، إن هذا إلا اختلاق، وأتباع أهل البيت هم أبعد الناس عن اتهام النبي صلى الله عليه وآله في عرضه، وعرضه مصون عن كل ذلك.
كما يشنعون عليهم أيضا تشريعهم لزواج المتعة أو النكاح المؤقت الذي كان النبي صلى الله عليه وآله هو من شرعه بأمر الله وهذا ثابت من كتب المخالفين، لكن الخليفة الثاني جاء وحرمه كما صرح هو بذلك. ورغم ذلك فإن لدى القوم نموذجا من الزواج لا يختلف كثيرا عن زواج المتعة إلا بالتسمية، فيجوز وفقا للمذاهب الأربعة الزواج مع تحديد موعد للطلاق، وهو جائز بإجماع أئمة مذاهبهم.
والنوع الآخر من البنوة هو البنوة العقائدية، وهي قائمة على الاتفاق بالمبادئ والسنخية، ويترتب على ذلك أثر فقهي في اعتبار ابن المسلم مسلما، فلو مات صبي لأبوين مسلمين قبل أن يبلغ فهو يعتبر مسلما.
أما النوع الأسمى من البنوة فهو بنوة الاتحاد بالسنخية، وهو ما عبر عنه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بقوله (حسين مني وأنا من حسين).
صحيح أن الإمام الحسين عليه السلام هو حفيد النبي صلى الله عليه وآله وابن بنته، ولذلك لا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله لا يستطيع أن يخطب ابنة من بنات الإمام الحسين عليه السلام ويتزوجها لأنها ابنته ومتحدرة من لحمه ودمه، لكن النبي صلى الله عليه وآله في قوله هذا يريد الإشارة إلى البنوة السنخية، فعندما يقول (حسين مني وأنا من حسين) أي من سنخي، أي أن الإمام الحسين هو امتداد للنبوة، فالنبي صلى الله عليه وآله حامل الرسالة، والإمام الحسين امتداد لتلك الرسالة، وهو من حافظ عليها وضحى بأغلى ما يملك في سبيل إحياء هذه الرسالة وشموخها.
وقد تعرضت رسالة النبي صلى الله عليه وآله بعد رحيله وتتابع الحكام والملوك من بعده إلى المحق والتحريف، وإن واقعة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام بتلك الطريقة المروعة ضخت في شريان الأمة الإسلامية دماء جديدة أخرجتها من حالة الجمود والتجلط الذي كانت تعيشه حتى أوشكت أن تتعرض لسكتة قلبية تودي بها تماما.
وقد أعاد الإمام الحسين عليه السلام بنهضته المباركة الروح إلى أمة الإسلام وجعلها تثور على الواقع الذي وصلت إليه الأمور بعد وصول يزيد بن معاوية إلى الحكم وتهديمه معالم الدين وعيثه في الأرض فسادا.
وقد جمع الإمام الحسين عليه السلام الأقسام الثلاثة للبنوة، فهو بالفعل الابن الحقيقي المادي للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وهو من لحمه ودمه، كما أنه ابنه العقائدي حيث حمل مبادئ أيما حمل وتحمل كل تلك المصائب التي لا تحملها الجبال في سبيل صونها والحفاظ عليها، وأخيرا اختص بالبنوة الأسمى وهي البنوة باتحاد السنخية.
وكان النبي صلى الله عليه وآله يحب ولديه وحفيديه الحسن والحسين عليهما السلام أيما محبة، وكان يجعلهما على كتفيه ويطوف بهما في شوارع المدينة و يدعو الله أن يقيهما وشيعتهما من النار.