مناسبات النصف من شعبان – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)
تكثر المناسبات في هذه الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان، وعلى رأس هذه المناسبات ذكرى مولد منقذ البشرية ومنجيها مولد الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، وهو بقية الله في أرضه وحجته على عباده وأمل المستضعفين.
وقد ولد الإمام الحجة عجل الله فرجه في ليلة النصف من شعبان سنة 255 للهجرة.
وتقول حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام التي كانت في تلك الليلة ليلة النصف من شعبان في دار الإمام العسكري عليه السلام، ولما همت بالخروج قال لها الإمام عليه السلام يا عمة بتي عندنا هذه الليلة، فسألته عن السبب فقال إن ولادة منقذ الأمة سيكون في هذه الليلة. فقالت حكيمة: من أين يا ابن أخي؟ من نرجس؟ ما أرى عليها أثرا للحمل. فقال الإمام العسكري عليه السلام: يا عمة إن فيها شبها من أم موسى، ولن يستبين حملها إلا لحظة الولادة.
فرجعت حكيمة إلى داخل الدار وقصدت السيدة نرجسا وقلبتها ظهرا لبطن ولم تر للحمل أثرا عليها إلى أن قرب الفجر حيث أحست نرجس بالطلق. تقول حكيمة: كنت إلى جانبها ومعي مجموعة من النساء فدنوت إليها، وتولين منها ما تلي النساء من النساء، فلم تلبث أن وضعت صاحب الأمر عجل الله فرجه، فاستقبل الأرض بكلتا يديه رافعا رأسه يقرأ الآية الكريمة (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
وتعتبر مسألة ولادة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه في النصف من شعبان من المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية المختلفة، لكن أصل الإيمان بالمهدي عجل الله فرجه وبأنه جزء من العقيدة الإسلامية فهو محل إجماع شامل ومطبق من قبل جميع الفرق الإسلامية، وقد وصلت الروايات في الإمام المهدي عجل الله فرجه حد التواتر الذي لا مجال معه للشك.
وإن المذاهب الإسلامية الأخرى يولون مسألة المهدوية اهتماما ويعتبرونها من صلب العقيدة لدرجة أنهم يكفرون من لا يعتقد بالإمام المهدي عجل الله فرجه، لأنهم يعتبرونه ضرورية من ضروريات الدين، وهناك فتاوى صريحة بكفر من ينكر صاحب الزمان عجل الله فرجه من قبل علماء المسلمين.
وإن أصل وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه وبأنه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام أمر مفروغ منه بحسب الروايات العديدة الواردة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش أو في رواية أخرى (كلهم من ولدي).
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال عن آخرهم: يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
ويصفه الرسول صلى الله عليه وآله في بعض الروايات فيقول إن على خده الأيمن خال، مفلج الثنايا قطط الشعر أزهر الوجه، وإذا ظهر تخرج الأرض كنوزها، يحثو المال حثوا ولا يعده عدا، يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
وهناك روايات عديدة تشير إلى أنه من ولد أمير المؤمنين عليه السلام وتذكره بالاسم، وهناك إضافة في بعض الروايات التي وضعت مؤخرا (يواطئ اسم أبيه اسم أبي) والتي تعتبر من الموضوعات التي لا يقبل بمثلها.
وهناك عشرات المصادر والكتب المعتبرة التي أوردت العديد من الروايات المعتبرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام حول الإمام المهدي عجل الله فرجه.
ويكمن الخلاف بين المسلمين في وجود الإمام من عدمه، وفي أنه هل ولد حقا في النصف من شعبان أم لم يولد.
وهناك روايات عند القوم تشير إلى أنه إذا خرج يفتح القسطنطينية ويستولي على كنوز الروم وينفقها في سبيل الله، وممن نص على ذلك ابن خلدون رغم أنه من أبعد الناس بعدا عن مثل هذا اللون من الفكر.
وهناك عدة أسباب دعت المذاهب الإسلامية الأخرى لاستبعاد فكرة ولادته في النصف من شعبان، منها أنه ما الفائدة من وجوده وغيبته الطويلة هذه، فالناس لن يستفيدوا من وجوده ما دام غائبا، فما الحكمة من ذلك؟
والإشكال الثاني الذي يوردونه هو طول عمره غير الطبيعي والمعجز الذي لا يحصل للبشر عادة.
والإشكال الآخر هو ما الداعي لاختفائه طول هذه المدة وما هي دوافع ذلك ولماذا لا يظهر؟
وكل هذه الإشكالات مجاب عنها في نفس الأحاديث والروايات المعتبرة الواردة عن أهل البيت وعترته الطاهرة عليهم السلام لمن أراد أن يهتدي إلى الحق المبين.