الأسرة والطلاق في الإسلام – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم)
منذ بدء الخليقة والأسرة تعد اللبنة الأولى للمجتمع ونواة المجتمع الأساسية، فمجموع الأسر تكون المجتمع البشري، والمجتمع يتكون من مجموعة من الأسر.
وتتكون الأسرة بطبيعة الحال من زوجين هما الأب والأم وأولادهما، وتفرض هذه الطبيعة توزيع الأدوار داخل الأسرة، فلكل حقوق وواجبات معينة، وقد وجدت هذه القوانين لكي تضمن استقامة الأسرة واستمراريتها وبقاءها.
وكما في جميع الأحكام الشرعية هناك حقوق وهناك واجبات، فللرجل في الأسرة حقوق وعليه واجبات كما أن للمرأة في أسرتها حقوق وعليها واجبات حددها الشرع المقدس.
وتجد الصراع محتدما بين الكتاب والباحثين اليوم وقديما حول مسألة الحقوق والواجبات ومن الذي نال حصة أكبر من الحقوق في العائلة، وهل ظلم الإسلام المرأة وبخسها حقها وفضل الرجل عليها.
والمؤسف هو أن من يتصدى لهذه الشؤون في كثير من الأحيان ليس متخصصا بالموضوع ولا علم لديه ولا خبرة ولا تجربة تخوله الخوض في هذا الشأن الحساس، ولذلك تجدهم يضعون الكثير من النظريات ويطرحون العديد من الرؤى والفتاوى العجيبة التي تتعارض مع أبسط قوانين الشرع المقدس ولا تمت له بصلة.
من حقوق الرجل في الأسرة المسلمة هو أن الله أعطاه حق التخلية أو ما يعرف بالطلاق، وهو خيار متاح فيما لو تعذر الانسجام والاستمرار في الحياة الزوجية بين الزوجين، وهو خيار أخير وغير مستحسن ولا يفضل اللجوء إليه إلا في أسوء الحالات فيما لو كان الاستمرار بالزواج أسوء من الطلاق، ولذلك سمي في الروايات أبغض الحلال عند الله.
وقد يتساءل بعضهم عن سبب جعل العصمة بيد الرجل دون المرأة، وادعى أن في هذا تمييزا وتفضيلا للرجل على المرأة.
لكن هذه الآية تحكي لنا شيئا آخر، وقد فسرها جملة من المفسرين بأنه كما أن للرجل الحق في الطلاق فإن للمرأة أن تشترط حين العقد أن يوكلها في أمر الطلاق فتطلق نفسها بنفسها، وهذا ما يقره فقهاء المسلمين.
ولو أن الرجل جعل العصمة بيد كليهما لوجدت الطلاق منتشرا وشائعا كما هو الحال في الدول التي لا تنهج منهج الإسلام وتساوي في حق الطلاق بين الرجل والمرأة بشكل كامل، وذلك لأن الطلاق عادة ما يحدث في حالة هياج وغضب وعدم استقرار، فعندما نحصره بيد طرف واحد فإننا نحد من تأثيراته، أما لو أعطيناه للطرفين لزادت هذه الحالة شيوعا بطبيعة الحال لأنه كلما هاج وغضب أحدهما فإنه سيفكر بالطلاق، وهذا ما لا يريده الإسلام وشرع الله المقدس.
وإن الطلاق في الواقع يدمر الأسر وبالتالي يدمر المجتمع، ومن النادر أن ترى أسرة مفككة طلق فيها الزوج زوجته ولديهما أولاد سليمون من الناحية النفسية، فغالبا ما يصاب الأطفال بحالة نفسية مروعة وتوقع أن يكون مستقبل مثل هؤلاء إما الإجرام وإما الإدمان على المخدرات والكحول وما شاكل ذلك من المفاسد التي نحن بغنى عنها.
فالطلاق أمر سيئ بلا شك، ولكنه لا بد منه في بعض الحالات النادرة.
وينبغي دوما التريث قبل التفكير بالطلاق، وخلافا للمذاهب الإسلامية الأخرى فإن مذهب أهل البيت عليهم السلام يضع العديد من الحواجز والعوائق للحيلولة دون وقوع الطلاق وتفكيك الأسرة وهدمها.
كما أن الإسلام لم يبخس حتى المطلقات حقهن، فدعا إلى الزواج منهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله خير قدوة لنا في ذلك، فقد تزوج في حياته بعدة مطلقات رغم أنه لو طلب خير النساء لأقبلت إليه وتشرفت بالزواج منه، لكنه بفعله ذلك أراد منا أن نعلم بأن الزواج من المطلقات فيه أجر وفيه خير كثير.
لكن النظرة السوداوية للمطلقات لا تزال شائعة في زماننا حتى الآن، فلا يتزوج منهن ويحرمن من هذا الحق الشرعي وقد يقعن في الانحلال والمفاسد دون سبب، وهذه النظرة ليست سوى نظرة جهل وتخلف وليست من الإسلام في شيء.
ولم يكتف الإسلام بتصعيب مسألة الطلاق بل شرع إضافة إلى ذلك طرقا للوقاية منه، فقد دعا إلى الاستشارة قبل الزواج وتخير المرأة الصالحة السليمة لكي ينجب منها ذرية صالحة مؤمنة تكون ذخرا وذخيرة لهما ويكثر بها أمة الإسلام ويعزز بهذه الذرية قوة الإسلام.