بر الوالدين – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)
إن الآية الكريمة من الآيات التي تدفع الأبن لرعاية أبويه وبرهما في حيتهما وبعد مماتهما، وبر الوالدين هو أقصى درجات الإحسان إليهما، فيدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية.
أما رعيتهما في حياتهما فهي تشمل جميع أنواع النفقة إذا كانا أو أحدهما غير قادر على النفقة على نفسه، وتعتبر هذه النفقة من الناحية الفقهية نفقة واجبة، تماماً كالنفقة على الزوجة والعيال، بل هي أوجب.
وتعتبر هذه الرعاية رعاية مادية، وهناك رعاية أخرى وهي الرعاية النفسية والمعنوية، فإن كون الابن يزور والديه وإن لم يكونا بحاجة لرعاية مادية من حاجة للمال أو الخدمة، فإن ذلك يعتبر حاجة قوية لدى الوالدين.
وأن يأنس المرء بوالديه ويدعهما يأنسان به، لأن يشعر وجود الأولاد حول والديهما يشعرهما بنوع من الأمان والطمأنينة، والسبب أن الإنسان يحب البقاء في الحياة، وهو يعلم أنه سوف يموت وإن طال به العمر، ولذا عندما يرى امتداه في الحياة في وجود أبناءه يشعر أنه وجوده مستمر.
الصادق (عليه السلام)، قال: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إني راغب في الجهاد نشيط. قال: فجاهد في سبيل الله، فإنك إن تقتل كنت حيا عند الله ترزق، وإن مت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب كما ولدت.
فقال: يا رسول الله، إن لي والدين كبيرين، يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أقم مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة.
وأما بر الوالدين بعد مماتهما وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة، فهو الدعاء لهما والتصدق عنهما، ال النبي صلى الله عليه وآله: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له.
فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: إن العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما، ثم يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقا، وإنه ليكون عاقا لهما في حياتهما غير بار بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عز وجل بارا.
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين أو ميتين: يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيرا كثيرا.
