عوامل التأثير في الإنسان – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
(فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)
عرضت هذه الآية الكريمة صورة من الصور التي تتكرر عبر التاريخ، لأن الإنسانية في تاريخها الطويل فيها جوانب ونزعات تشترك فيها مع بعضها حتى مع تغير الزمان والمكان، وهذه النزعات ستتبين معنا خلال هذا البحث.
فأولاً ذكرت الآية (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ) والذرية هنا معناها أولاد الأم، لأن بنو إسرائيل عندما هاجروا من فلسطين إلى مصر، أصبح تزاوج بين الأقباط والعبرانيين، فعندما قام موسى بنشر دعوته، ما آمن معه إلا من أمه عبرانية وأبوه قبطي.
وفي هذه الآية إشارتين: الأولى أن الإسلام والشرائع السماوية وضعت الكفاءة بالزواج على العقيدة، وألغى جميع أشكال الطبقية والعنصرية بين الشعوب، والأمر الثاني هو الدور المهم للأم في تربية أبنائها وتلقينهم العقيدة.
وفي أمر آخر، يلاحظ من خلال التاريخ أن الفئة الأسرع لتقبل أي دعوة أو فكرة هم فئة الشباب، ولذا نجد أن الإسلام أعنى الأهمية القصوى لرعاية الشباب وتحصينهم من الأفكار المنحرفة، حتى أنه في عصرنا الحالي وضعت كثيراً من الدول إجراءات لوقاية الشباب من الأفكار التي قد تهدد أمنها القومي.
وفي هذه الآية إشارة أخرى حول تأثير العامل القومي على الفرد، (مِّن قَوْمِهِ) وهذا العامل كثير ما يوجه توجهات جاهلية، من قبيل العصبية التي تعمى عن الحق، ولكن هذا العامل إن وجه التوجيه الصحيح في خدمة دين الله يصبح عامل تقوية لأتباع هذا الدين.
وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لابنه الإمام المجتبى عليه السلام: (أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول).
وخلاصة القول أنّ أهم العوامل والنزعات التي تؤثر في توجهات الإنسان ومعتقداته على مدى التاريخ: تربية الأم، والحماسة الشبابية، والعصبية للدم والعشيرة.
