خير البرية… من هم؟ – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾
القرآن الكريم حين يتحدث عن خير البرية، لا يمكن أن يُبقي المفهوم غائمًا أو عامًا بلا تعيين، بل تُسعفنا السنة المطهرة في تفسير النص، وتبيين من هم هؤلاء القوم الذين ارتقوا إلى مرتبة “خير خلق الله” بعد النبي صلى الله عليه وآله.
وفي هذا السياق، برزت روايات واضحة صريحة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في تفسير هذه الآية بـ أمير المؤمنين علي عليه السلام وشيعته، كما سنعرض لك لاحقًا بالأدلة والمصادر.
شرح الآية: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ…”
الآية تُبرز معادلة قرآنية واضحة: الإيمان الحقيقي، العمل الصالح، خير البرية.
وقد ركّز المفسرون على أن الآية لم تكتف بوصفهم بالمؤمنين بل وصفتهم بأنهم أفضل من كل البشر، بما فيهم الأنبياء السابقون، ما عدا نبينا صلى الله عليه وآله، كما نقل بعض المفسرين.
لكن من هم مصاديق هذه الآية؟ وهل ورد تفسير نبوي لها؟
الجواب: نعم، ورد أكثر من حديث نبوي صريح في بيان أن المراد بـ”خير البرية” هم علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعته.
أحاديث النبي في تفسير الآية بعلي وشيعته
- حديث جابر بن عبد الله الأنصاري
عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال النبي: “والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة”، ونزلت الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ…﴾
ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: “هو أنت وشيعتك يا علي، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مقمحين”.
المصدر:
الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص130 – قال: هذا حديث صحيح الإسناد
ابن عدي، الكامل في الضعفاء، ج2، ص377
السيوطي، الدر المنثور، ج6، ص379
ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص161
ابن الأثير، أسد الغابة، ج4، ص28
والسند مدعوم من طرق السنة والشيعة معًا.
حديث ابن عباس
عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا…﴾، قال رسول الله (ص): “علي وشيعته هم خير البرية”.
المصدر:
ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج42، ص371
الشوكاني، فتح القدير، ج5، ص477
المتقي الهندي، كنز العمال، حديث رقم 32968
الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج10، ص333
في تفسير الإمام الباقر عليه السلام
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية: “هم أمير المؤمنين وشيعته”.
المصدر:
الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص102
تفسير البرهان، ج5، ص667
تفسير نور الثقلين، ج5، ص495
دلالات الحديث
علي عليه السلام رأس البرية بعد النبي صلى الله عليه وآله ، وشيعته المقيمون على منهجه هم “الفائزون”.
التمييز بين الاسم والصفة: ليس كل من قال “أنا من شيعة علي” صار من خير البرية، بل شيعته العاملون بعمله، المقتدون به في الورع والعدل والتقوى.
هذا التفسير له أبعاد تربوية وأخلاقية، إذ يحمّل كل شيعي مسؤولية أن يكون صادقًا في ولائه بفعله لا بمجرد شعاره.
وفي الختام:
إن تفسير النبي صلى الله عليه وآله لهذه الآية بـ”علي وشيعته” لم يكن مجرد مدح، بل بيان لمقام ومشروع. فالتشيع لعلي ليس انتسابًا مجردًا، بل هو منهج حياة جامع بين الإيمان الصادق والعمل الصالح، حتى يصح وصفه بأنه من “خير البرية”.
فلنحرص أن نكون من هؤلاء حقًا، ممن يؤمنون بولاية علي عليه السلام ويجسدونها في حياتهم خُلقًا وعدلًا وورعًا، فينالوا البشارة النبوية ويُبعثوا يوم القيامة في زمرة “خير البرية”.
