وورث سليمان داوود – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16]
تنبثق هذه الآية من قصة سليمان عليه السلام، حين أخبره النمل بسرها عجيج المسيرة الملكية، فبان له أن الإرث الإلهي من داود لم يقتصر على الملك وحده، بل شمل علم تفسير إشارات المخلوقات وأسرار الغيب التي عبَّر عنها منطق الطير.
شرح الآية الكريمة
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ: ليس ميراثاً مادياً بحتاً، بل انتقالاً لحكمة الربّ وقوة السلطان الإلهي. فما يورّثه الله من هداية وأمانة هو أثمن من أي مال.
عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ: لغةٌ تفيض عبرة: أن يُفتَح على الإنسان باب فهم إشارات الخلق، فيصغي إلى أصوات الطير ويتعظ بخبره. فالطير لا يتكلّم بألفاظ البشر، بل يُرسل إشاراتٍ برقصة الجناح وصوت النعيق، تعلّم سليمان كيف يقرؤها.
وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ: الشمول في النعمة: علمٌ وفهمٌ ورزقٌ وسلطةٌ وسكينةُ قلب. فالفضل الإلهي إذا تجلَّى لم يقف عند حدّ، بل امتد ليغمر الجوارح والأفئدة.
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ: فضلٌ واضح جليّ، لا يحتاج إلى برهان: بفتح أبواب علم الخلائق وتيسير أسباب الرزق، إذ تجلّت آيات القدير في ملك سليمان.
عبر ودروس مستخلصة
تقليب النظر في خلق الله: كما فهِم سليمان إشارات الطير، فلتكن نظرتنا حولنا رؤيةً تأملية تدرك بلاغة الكون وأسرار الحكمة.
الشكر بالعمل واليقين: الفضل المبين لا يثمر بحفظ الكلمات، بل بالإنصات لآيات الخلق، وبإحسان استعمال ما وهبنا الله من نعم في طاعته.
التواضع أمام عظمة الخالق: إرث سليمان من داود يذكّرنا أن الإنسان مهما علا مركزه يبقى مفتقرًا إلى هبة الرحمن التي تصحح مسيره.
خاتمة:
إنَّ إخلاص القلب في تلقي نعم الله، واستشراف العبر في كل لحظة، هو الطريق لتلمُّس الفضل المبين. فكلما تعلّمنا لغة الطبيعة ورسائل المخلوقات، ازددنا يقينًا بأنّ الذي وهبَ هذه النعمَ هو الرحمنُ الرحيمُ، يستحقُّ أن نعبده بقلبٍ خاشع ولسانٍ ذاكمِر.