قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

نعمة الأولاد والذرية – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)

مفهوم الخلافة والامتداد:

الآية الكريمة تشير إلى أصلٍ اجتماعي وفلسفي في بنية الإنسان على الأرض، وهو أنه خُلق ليكون خليفة، لا بمعنى السلطة فقط، بل بمعنى الامتداد الحضاري والتناسلي، فـ”جعلكم خلائف” لا تقتصر على من يخلف غيره في المكان، بل تشمل من يخلفه في النسل والذرية، وهذا يعني أن الذرية امتداد طبيعي، ونعمة إلهية تحفظ بها حياة الإنسان وتُستبقى به سُنن الله في الأرض.

الأولاد زينة لا عبء:

حين يقول تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، لا يعني أن البنون زينة بالعدد فقط، بل زينة بالمعنى، زينة بالمعاشرة، زينة بالحياة الروحية. فمن لم يُرزق ولدًا يشعر بأن شيئًا من دفء الحياة ناقص، بيت لا أطفال فيه كأنه خاوٍ، تنقصه الحيوية، تنقصه الدعوات العفوية، تنقصه حركة الحياة.

وليس غريبًا أن يبتهل الأنبياء إلى الله في طلب الذرية، فهذا زكريا عليه السلام رغم كبره وضعف زوجته يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، إذ أن الذرية الطيبة لا تمنح فقط امتدادًا بيولوجيًا، بل تمنح طمأنينة روحية وأمنًا نفسيًا وامتدادًا رساليًا.

العقبات الاجتماعية الحديثة وأثرها:

مع الأسف، مجتمعات اليوم، وبحجة التحضر أو التعليم أو الرفاه، بدأت تضع العوائق أمام هذه النعمة. تارة عبر غلاء المهور، وتارة عبر تأخير سن الزواج، وتارة عبر تحميل الشاب ما لا يطيق من التكاليف، فتُعطل أسباب التكوين الطبيعي للأسرة، ويُضعف بذلك أساس النعمة.

هذه الموانع الاجتماعية أصبحت تمثل وأدًا معنويًا للذرية، والوأد الذي كان في الجاهلية صار اليوم بشكل آخر: يئدون فرص الزواج والاستقرار والتكاثر تحت عناوين مضللة.

الولد عضد لوالده:

ورد عن الإمام العسكري عليه السلام في دعائه لرجلٍ لم يُرزق بولد: “اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا، فنعم العضد الولد.”

وهذا يعكس فلسفة عميقة؛ فالولد لا يُقاس بماله ولا بعلمه فقط، بل بمدى كونه عضدًا لأبويه، سندًا لهم في الكبر، امتدادًا لقيمهم، دعاءً لهم بعد موتهم.

التمييز والدرجات سنة كونية:

في قوله تعالى: (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، يتجلى التنوع في التكوين الإلهي. لا يتساوى الناس في المال ولا في العقل ولا في المهنة ولا في الحظ ولا في الذرية. هذه الفروقات ليست ظلما، بل هي حكمة لبقاء التوازن. فلو تساوى الناس جميعًا في الذكاء والعمل، من الذي يفلح الأرض؟ ومن الذي يعلم؟ ومن الذي يعالج؟ ومن الذي يدير؟ ومن الذي يخدم؟ إن التفاوت ضمان للتكامل لا للتفاضل.

خاتمة تربوية:

نعمة الأولاد لا تُقاس بعددهم بل ببرّهم، ولا تُشكر باللسان فقط بل بحسن تربيتهم. وهم امتداد للإنسان في حياته وبعد موته، فإن أحسن غرسهم أثمرت شجرة صالحة تبقى، وإن أهملهم كانوا عليه وبالًا لا نعمة. فالولد قد يكون قرة عين، وقد يكون فتنة، والمُربي هو من يصنع الفرق.

مواضيع مشابهة

المنبر العميد -490- المال والبنون زينة الحياة

موجبات زيادة الرزق