قناة المعارف الفضائية | سراج العلم والفضيلة
فهرس: المنبر العميد
آخر برامج من: الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (ره)
آخر برامج في قناة المعارف الفضائية

حتى يميز الخبيث من الطيب – د. الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله

تُعدُّ مدرسة الإمام الحسين عليه السلام من أعظم المدارس الروحية والتربوية في تاريخ الإسلام، وهي التي ما زلنا نعيش في ظلالها، نستقي منها القيم الخالدة والمواقف العظيمة التي تسمو بالإنسان نحو الكرامة والحرية، وتدفعه إلى تحمل المسؤولية الشرعية والاجتماعية في مجتمعه.

ولذا فإن من واجب كل مسلم أن يفتح قلبه وعقله لهذه المدرسة العظيمة، ويسهم بدوره في تحقيق أهداف نهضة الإمام الحسين عليه السلام، التي لم تكن ثورة عاطفية أو حادثة تاريخية، بل مشروعًا إلهيًا لإحياء رسالة الإسلام في وجه الطغيان والانحراف.

تلاوة الحسين للقرآن… رسالة مقاومة حتى آخر الليل

يذكر المؤرخون أن الإمام الحسين عليه السلام قضى ليلة العاشر من محرم بالصلاة والدعاء والتلاوة، وكان من بين ما قرأه من الآيات الكريمة: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ سورة آل عمران: 179

وقد نقل الضحاك بن قيس المشرقي هذا المشهد قائلاً:

“بتنا الليلة العاشرة فقام الحسين وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون… وإن الحسين عليه السلام ليقرأ: (ما كان الله ليذر المؤمنين… حتى يميز الخبيث من الطيب).”

وجاء في الرواية أن رجلاً من معسكر العدو، بعد أن سمع الآية، قال: “نحن ورب الكعبة الطيبون، ميزنا منكم وأنتم الخبيثون”، فكان الرد من الصحابي برير: “أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين.”

التمييز بين الخبيث والطيب: وظيفة قرآنية مستمرة

لقد جسّد الإمام الحسين عليه السلام الفرز بين الحق والباطل، الطيب والخبيث في الأمة الإسلامية. فالآية الكريمة تُعلّمنا أن الله لا يترك الأمة على حالٍ من الغموض، بل لا بد أن يُجري سنة التمييز والتمحيص، فيظهر أصحاب المواقف من أصحاب الشعارات.

فالخبيث هو من يتزين بظاهر الإسلام لكنه لا يُصلي ولا يُجاهد ولا يحمل هَمّ الأمة.

أما الطيب، فهو من يُجسّد الإسلام في سلوكه، وعقيدته، وجهاده، ومواقفه، لا من خلال الشعارات بل من خلال التطبيق العملي.

ثورة كربلاء: حركة فرز بين القيم والانحراف

نهضة الإمام الحسين لم تكن مجرد موقف سياسي بل كانت حركة تمييز إلهي في وسط الانحراف. لقد أراد الإمام أن يُعيد الأمة إلى جادة الصواب، وأن يُظهر الخبيث من الطيب، فكان استشهاده ومن معه من الأنصار صوتًا إلهيًا يفرز ويُحيي ويكشف الزيف.

وهذا هو جوهر مدرسة كربلاء: أن تقف مع الحق، وتواجه الباطل، وتقبل التضحيات في سبيل الحفاظ على هوية الدين ومشروع السماء.

وفي الختام:

إن آية (حتى يميز الخبيث من الطيب) لم تُقرأ في ليلة عاشوراء عبثًا، بل كانت جزءًا من الخطاب العقائدي الذي جسّده الإمام الحسين عمليًا في أرض كربلاء. وكل من يريد أن يكون من “الطيبين” لا يكفيه الحب العاطفي، بل عليه أن يُجسّد الإسلام قولاً وفعلاً وموقفًا.