هجرة النبي صلى الله عليه وآله – د. الشيخ أحمد الوائلي
لماذا هاجر النبي إلى المدينة؟
بعد ثلاثة عشر عاما من الدعوة إلى الإسلام في مكة المكرمة، جاء الوحي والأمر الإلهي للنبي بأن يهاجر من مكة إلى المدينة، وحدث ذلك بعد اجتماع قريش والمشركين في دار الندوة للتآمر على النبي وأرادوا قتله والتخلص منه لوأد الدعوة إلى الإسلام وإنهائها. وقد اتفقوا بعد مناقشات طويلة إلى أن يختاروا من كل قبيلة رجلًا ويهجموا على دار النبي ويضربوه ضربة رجل واحد فيضيع دمه بين القبائل ولا يستطيع بنو هاشم الثأر له.
جاءت آية (ويمكرون ويمكر الله) في سياق الحديث عن هجرة النبي صلى الله عليه وآله، ومعنى المكر فيها هو ردة الفعل على مكر الكافرين، بمعنى إبطال مكر الكافرين من قبل الله، وهذا ما كان سائدا عند العرب في حديثهم، والقرآن يخاطب كل قوم بلسانهم.
الحادثة التاريخية المهمة التي أغفلها جمع من المؤرخين في تواريخهم عمدا هي مبيت الإمام علي عليه السلام في فراش النبي فيما يعرف بليلة المبيت، حينها ضحى علي عليه السلام بنفسه لينجو رسول الله وينقذ الإسلام من الضياع وتستمر الدعوة الإسلامية المباركة وتنجح هجرة النبي، لكن بعض المؤرخين يسلط الضوء على ما يشتهيه ويعتم على ما لا يرغب أن ينتشر لغاية في نفس يعقوب.
إن سبب هجرة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة هو عدم تقبل واستجابة أهل مكة للدعوة والنداء، فكانوا معاندين مصرين على كفرهم وشركهم وعقائدهم الباطلة، لذلك رأى النبي أن عليه نقل الدعوة إلى مكان آخر يتجاوب فيه أهله معه ومع دعوته، وهذا دأب كثير من الأنبياء والرسل قبله.
بمجرد وصول النبي إلى المدينة بدأ بعدة خطوات على مراحل، وأول خطوة قام بها هي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. لقد آخى بين كل مسلم وأخيه، وجعل لكل مسلم أخا، آخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى بين الأنصار أنفسهم والمهاجرين أنفسهم، لكنه ترك عليا دون أن يجعل له أخا، فجاء إليه باكيا لكن النبي أخبره قائلا له: إنما ادخرتك لنفسي.
إن فلسفة الأخوة في الإسلام هي إلغاء جميع الفروق بين المسلمين وجعلهم سواسية كأسنان المشط. لقد ألغى الإسلام كل الفروق الطبقية والعرقية والعنصرية، ولم يقبل بأي منها، وجعل المعيار والميزان للمفاضلة بين الناس على أساس الإيمان فقال النبي: لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، رغم أن بعض المذاهب الإسلامية الأخرى جعلت معايير أخرى للكفاءة كالثروة والقبيلة وغيرها مما ألغاه الدين الإسلامي وكان عرفا في الجاهلية.
في الخطوة الثانية قام النبي بإقرار الصلاة والتأكيد عليها، لأن الصلاة عمود الدين، ولا تسقط الصلاة بأي حال من الأحوال حتى في حالات الخوف والحرب، فإن لم يستطع الصلاة بكيفيتها المعروفة صلى بالإيماء أو الإشارة وغيرها، لكن الصلاة لا تسقط تحت أي ظرف، لكن النبي أخبر المسلمين بإتمام الصلاة في الحضر وقصرها في السفر تخفيفا عليهم ورخصة لهم.
الخطوة الثالثة بعد هجرة النبي كانت تزويج ابنته فاطمة من علي بن أبي طالب عليهم السلام، تلك الابنة التي كان وجهاء وأثرياء العرب في المدينة يتوافدون عليه طلبا ليدها والزواج منها، لكنه ردهم ورفضهم جميعا وقال لهم بأن الأمر ليس بيده بل بيد الله. وعندما دخل عليه علي بن أبي طالب مستحيًا أمره النبي برفع رأسه وأخبره بأن الله أمره بأن يزوّج ابنته فاطمة منه.
كانت مراسم زفاف السيدة فاطمة بسيطة، وكان مهرها بسيطًا، فقد جاء الإسلام ليغير ويمحو عادات الجاهلية من غلاء المهور والتكلف والتصنع، فالمهم في الإسلام هو سعادة الزوجين وتكوينهما أسرة سعيدة متناغمة متوافقة.
هكذا جاءت هجرة النبي لتشكل بداية الطريق لانتشار أكبر للإسلام وقوة وشوكة وعزة أكبر له.
مواضيع مشابهة
الخطبة ٢٣٥: اقتصّ فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي(صلى الله عليه وآله) ثم لحاقه به